قاد خالد الذكر عبد الناصر انقلابا ثوريا أبيضا( بلا دماء), ودولة وثورة في نفس الوقت , وبني نموذجه بالأساس علي التحرر الوطني والتنمية المستقلة التي تتسم بدرجة معتدلة من العدالة الاجتماعية والتذويب السلمي للفوارق بين الطبقات وتعويض عادل, وفتح باب الحراك لأبناء الطبقات الفقيرة والوسطي للصعود بناء علي علمهم وكفاءتهم وعملهم بلا تمييز, وحاول بسياسة التمصير إيقاف نهب الرأسمالية العالمية لمصر وفك حلقات التبعية, وغير التركيب الطبقي للريف المصري بحل المسالة الزراعية والاصلاح الزراعي وتشيد السد العالي كاكبر مشروع اروائي في العالم الثالث ومكن من كهرباء رخيصة لمصر من اقصاءها لادناءها وأنشاء صناعة ثقيلة وخطوط السكك الحديدية.
وتوجه عبد الناصر للغرب في البداية للتعاون والمشاركة في تطوير الاقتصاد المصري, لكنهم ماطلوا ثم رفضوا بعجرفة وبصورة مهينة, إقراض مصر لتمويل بناء السد العالي, وضغطوا علي البنك الدولي ليتخذ القرار نفسه. وإزاء رفض الأمريكيين والبنك إقراض مصر, لم ينكسر ناصر وإنما أمم القناة ومول بناء السد العالي بإيراداتها, وتدثر بشعبه وبكل أحرار أمته والعالم في مواجهة الغزو البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي الإجرامي الدنيء, وكسب الرهان ودحر العدوان, وبني السد الذي أختير كأعظم مشروع بنية أساسية في العالم في القرن العشرين, ووضع قواعد العدالة الاجتماعية وصار أيقونة الدول النامية وكل أحرار العالم, بينما اعتبره الغرب عدوا لدودا.
وقام ناصر بالتضيق والحراسة على الشركات الأجنبية الاستعمارية وأذيالهم العملاء, وبناء الأساس الاقتصادي للاستقلال الوطني الشامل من خلال مشروعات صناعية وزراعية وخدمية كبري, وضاعف القطاع الصناعي خمس مرات وجعل الآقليم القاعدة للنضال العربي من أكثر الدول النامية تقدما, وقبلة وكعبة أحرار العالم وأحتضن وساعد حركات التحرر في الوطن العربي وإفريقيا والعالم, وقدم نموذجا للتحرر من أسر التبعية, فكرهه الغرب ودبر ضده المؤامرات واعتدي علي مصر مباشرة أو عبر الكيان الصهيوني.
وآخيراً عبدالناصر، بنى مشروعاً سياسياً شعر المصريون والعرب بأنه نابع منهم (العروبة وتفجير أحلام الوحدة الكبرى والتحرر الوطنى والقومى بطرد الاستعمار وأجباره على تفكيك قواعده وحمل عصاءه ويرحل ببترول العرب للعرب والعدالة الاجتماعية بتكرئيس قيم ألانصاف والمساواة )، فتقدم على كل من سبقوه ولحقوه بقرون عده فى الشعبية والقدرة على الإنجاز والبحث عن حلول، وانحاز له الشعب المصرى والعربي وأحرار العالم بمحض إرادتهم، بعيدا عن الأخطاء التى وقع فيها نظامه الشمولي والبيروقراطية العميقة. رغم كل شئ ومعه ارتبطنا وجدانياً بناصر وملك منا شغاف القلب برضا وقبول على قاعدة الحرية والتقدم الإقتصادي والإجتماعي, كان البطل التاريخي لملاحمنا واشتبك بواقعنا اليومي ظاهرة لن تتكرر بحياة شعوبنا, وعلى قاعدة القناعة الشخصية والاهتداء بحس جموع الناس «الطبيعيين» الذى لا يكذب.,
و استمرينا من بعده نكمل المشوار تعثرنا نتيجة الفراغ القاتل الذي تركه وأنفراط عقد الإداة القومية الطليعية ترمومتر لحركة عربية واحدة فاعلة وأخفقت بصياغة وثيقة فكرية ناصرية جامعة عمقت الشروخ الهجمة للحقبة السعودية وعصر الثروة أسهمت بتفريخات عدة لم تتعافى الحركة الناصرية لليوم, ولم تستطيع المشاريع القطرية تعوض الغياب بانتقال القائد المعلم باكراً للرفيق الاعلى لأثقال أحمال المسؤلية التي تصدر لإوجاع النظام العربي وشراسة الهجمة الامبريالية الرجعية الصهيونية لها برباطة جاش نادر والبطل التاريخي الذي جسده، والذى يقول فيه جوستاف لوبون، أهم دارسى سيكولوجية الجماهير بتفسير الظاهرة : «إن الزعامات تخلقها المجتمعات لحاجات نفسية عميقة فى وجدانها، مع مؤازرة عوامل داخلية وخارجية، وتمليها سياقات تاريخية محددة»، وهذه كلها وافرة الوجود، لرمز يقظتنا الساطع ناصر العزة والكرامة, أيها الخالد سلاما. الحاضر الغائب ستظل أقوى من النسيان وأزهر الربيع العربي عنفوان جديد وأجيال نهضة لن تخيب..