drawas

454x140 صوت واضح

في وداع الدكتور أكرم

في وداع الدكتور أكرم

العام 89 وفي العطلة الشتوية تحديدا , غادرت موسكو متوجها إلى اليمن بهدف جلب الدراسات الجيولوجية والهايدرولوجية ومتطلبات علمية أخرى ذات علاقة بمشروع تخرجي , بعد أن قررت وبحكم تخصصي ان يكون مشروع سد مائي في بلدي , شجعني في هذا الامر ابتعاثي من قبل وزارة الزراعة , ومعرفتي المسبقة بمهام مشروع حوض صنعاء فيها والذي كان يديره مجموعة من الخبراء السوفييت , وتتلخص أهدافه في تحديد مواقع سدود وحواجز مائية بغية تغذية حوض صنعاء بالمياه , كتعويض عن حالة فقده لمخزونه المائي وتأكيد تعرضه للجفاف خلال عشرينات القرن القادم .

هناك التقيت بالخبراء الروس وزودوني بالدراسات والمعلومات المطلوبة لأحد السدود المقترحة في منطقة نهم .

بعد انتهاء الإجازة التي قضيتها ما بين قريتي وصنعاء , قررت العودة الى موسكو ولكن عبر تركيا .

في اسطنبول وبعد يومين على وصولي تعرفت على الدكتور أكرم , لكنني لا أتذكر بالضبط أين التقيته في السفارة أم في أحد الأماكن العامة .

بعد تعارفنا , أصر على تركي وزميلي للفندق والذهاب معه للعيش في شقته الواقعة بالقسم الأوروبي من اسطنبول .

منذ لحظة تعارفنا وذهابنا الى الفندق لجلب الاغراض وفي طريق التوجه الى سكنه , شدني وضوح وقوة التشابه بينه وبين الراحل " عبد القادر سعيد " مؤسس الحزب الديموقراطي الثوري , والذي كنت قد تابعت اثناء دراستي الثانوية , بعض من مسيرة حياته السياسية حتى عملية تسميمه في مستشفى جبلة بإب كما تردد , وذلك بحكم علاقتي المبكرة بجبهة 13 يونيو وهو الاسم الحركي لتنظيم الطلائع الناصرية بعد حركة 15 أكتوبر 78م بقيادة القائد النظيف عيسى محمد سيف.

وكانت المفاجأة حين شاهدت صورة عبد القادر سعيد المرسومة في مخيلتي معلقة في صالة شقته , وإذا بي أجد نفسي واقفا واحتضنه وأقبله على رأسه فقد كان يشبهه إلى حد لا يصدق .

ظللت في ضيافته لمدة اسبوع , عرفني خلاله على معظم شوارع اسظنبول ومعالمها وأحياءها الشعبية.

ظللنا سويا حتى آخر لحظات وداعي في محطة القطارات في طريق عودتي الى موسكو عبر بلغاريا , التي قضيت فيها مدة خمسة ايام في سكن ورفقة احد الزملاء من عائلة دماج , والذي عرفت لاحقا انه يعمل محاضرا في جامعة الحديدة .

كان هذا أول وآخر لقاء بالمرحوم الدكتور أكرم , برغم أسئلتي المتكررة عنه وشوق اللقاء به مرة أخرى هنا في اليمن , غير تمكني من محادثته تلفونيا لمرة واحدة عبر احد الزملاء .

اتصف الدكتور أكرم إلى جانب الشبه الكبير بوالده , اتصف بالبساطة والكرم واحترام الآخر , وكان يمتلك من السلوكيات الطيبة والمشاعر الانسانية , مايلفت نظرك إلى أي مدى كان وفيا لتاريخ ومسيرة والده , والى اي مدى تمكنت من تحصينه اخلاقيا ووطنيا وانسانيا .

رحمك الله أخي أكرم عبدالقادر سعيد وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا وأسرتك الصبر والسلوان ..

 وإنا لله وإنا إليه راجعون .

كاريكاتير