drawas

454x140 صوت واضح

بين جماعة الدولة ودولة الجماعة.. متحدث قوات صنعاء وناطق قوات الشرعية

المتحدثان العميدانإذا كنت غير ضليع بالشؤون العسكرية وأردت أن تعرف ماهية ومسارات المعارك الراهنة في البلاد ونتائجها المتوخاة، فثمة مؤشرات تدل على تفوق طرف على آخر ومنها المؤشر الإعلامي لكل طرف؛ إذ أن الإعلام المعنوي هو انعكاس لمدى التنظيم الحربي والتكتيك القتالي في الميدان، والمتحدث الإعلامي هو بمثابة وسيط بين الجيش والمجتمع.

ولهذا ارتأينا عقد مقارنة سريعة أو مقاربة مقتضبة بين متحدث جيش الشرعية ومتحدث قوات صنعاء، من حيث كثافة الحضور وسرعة الأداء وكمية المؤتمرات الصحفية والبلاغات والبيانات والتصريحات، إضافة إلى لغة الأرقام وثبات الحجة وقوة المنطق..

ولتكن البداية مع متحدث جيش الشرعية العميد الركن عبده عبدالله مجلي، الذي يمتلك خبرة واسعة بحكم عمله العسكري والسياسي، لكن حضوره الإعلامي متواضع جداً إن لم يكن في حكم النادر، وبالكاد يظهر في مقابلة تلفزيونية لدقائق على قناتي العربية أو الحدث أو قناة اليمن أو قناة الشرعية.

ورغم أن مجلي يتميز بلباقته في الحديث وقدرته على ارتجال الكلام ويمتلك ذاكرة تمكنه من حفظ أماكن ومواقع المواجهات في جميع الجبهات، لكنه يقع في مثالب تكرار نفس العبارات ويلوك ذات التهم وذات الوعود التي لم تتحقق في أرض الواقع.

ويلاحظ على مجلي نوعاً من الخمول الإعلامي إلى درجة أننا الإعلاميين لم نتذكر أنه عقد مؤتمراً صحفياً منذ تعيينه وحتى اليوم، ونادراً ما يصدر بيانات أو بلاغات صحفية وتكاد تخلو منها وكالة سبأ التابعة للشرعية.

ويعتمد مجلي بشكل أساسي على المقابلات التلفزيونية وقت الحاجة والطلب من الإعلاميين أنفسهم وليس مبادرة منه.

ويبدو من الواضح أن مجلي ليس مقرباً من المسؤول الأول في الشرعية أو مسؤولي الصف الأول فيها، أو حتى القائد الأول للجيش، كون علاقات مجلي تتركز بشكل أكبر مع فصيل سياسي معين وجغرافية محددة تتمثل في محافظة تعز أكثر من غيرها من المحافظات الأخرى.

كما يؤخذ على المتحدث مجلي عدم استمرار تواجده في الداخل وبالقرب من جبهات القتال، ويلاحظ بقائه مؤخراً في العاصمة السعودية الرياض، وهو ما قد يجعله يستقي معلوماته من وسائل الإعلام أكثر من مصادر ميدانية، فضلا عن عدم وجود مركز عمليات لرصد كافة التحركات وإحصاء الضحايا، رغم وجود الإمكانيات ورغم تعدد المراكز الإعلامية في كل محور ومنطقة عسكرية.

ومع أن مجلي يعتبر الناطق الأول للجيش المحسوب على الشرعية، إلا أن بعض مكونات هذا الجيش ترفض التعامل معه أو عبره، وتحجب عنه المعلومات، بدليل أن هذه المكونات لديها متحدثين خاصين بها، مثل ناطق قوات ما تسمى بحراس الجمهورية أو ألوية العمالقة، الذين قد يسجلون حضوراً إعلامياً أكثر من مجلي نفسه.

وكذلك جميع الوحدات العسكرية في المحافظات الجنوبية لا تتعامل مع مجلي، وينطبق ذلك على قوات التحالف الموجودة في الداخل سواء إماراتية أو سعودية أو سودانية أو غيرها، لا يمكن لها التعامل مع مجلي وإمداده بالمعلومات الميدانية، ويتضح جليا غياب التنسيق بين إعلام قوات التحالف وإعلام جيش الشرعية، ولهذا لم يظهر مجلي مع ناطق التحالف تركي المالكي في أي مناسبة تذكر.

أما بالنسبة للمتحدث الرسمي لقوات صنعاء العميد يحيى سريع قاسم، هذا الشاب الثلاثيني رغم حداثة عمره الزمني وحداثة عمله الإعلامي، إلا أنه أثبت قدرات إعلامية كبيرة نالت إعجاب العديد من خصوم جماعته فضلاً عن أنصارها.

حتى وقت قريب من تعيين يحيى سريع متحدثا بإسم قوات صنعاء، كانت أخبار المعارك من صنعاء تأتي عبر ما يسمى بالإعلام الحربي الذي يحضر عبر الصور والفيديوهات أكثر منه معلومة، وحتى أخبار صنعاء وتوجهاتها ظلت مقتصرة على تغريدات للناطقين السابقين وتفتقر في بعض الأحيان للإحصائية والدقة، لكن اليوم يحرص الصحفيون على عدم تفويت مؤتمر يحيى سريع اليومي في وقته، وهو الذي يأتي إلى منصة المؤتمر وقد حضّر نفسه جيداً ليس على مستوى الهندام الشخصي الذي يعكس تجسيد المؤسسة العسكرية المنضبطة والمهابة، بل أيضاً على مستوى تغذية معلوماته بالصورة وبالأرقام الإحصائية التفصيلية.

لم تعد أخبار معارك قوات صنعاء مقتصرة على الوسائل المحلية التي احتكرت خلال السنوات الماضية نشر الأخبار، كلا بحسب تحليلاتها، فأخبار صنعاء صارت اليوم تتداول على المستوى الإقليمي والدولي، والسبب يكمن في واحدية التوجه والمصدر، إضافة إلى نشاط سريع الذي لا يغلق جواله لحظة واحدة وبإمكان أية جهة الاستفسار والتواصل بكل سهولة ويسر.

هذا الزخم مكّن صنعاء من كسر الحصار الإعلامي الذي ظل مفروضاً عليها منذ اندلاع الحرب، ومع ذلك هاهي اليوم تضاهي التحالف نفسه قوة في مواجهة تختصر نصف المعركة على الميدان، وأظهرها كدولة فعلا لاسيما وأنها سحبت بهذا التحول بساط حكومة هادي تلك التي تعاني من تشعب الفصائل وتعدد ولاءات قواتها، وبالتالي تشتت جهودها الإعلامية.

ومع اختلافنا السياسي والفكري مع جماعته إلا أنه من الصعوبة بمكان إنكار الجهود المعتبرة التي يبذلها متحدث قوات صنعاء بدءاً من المؤتمرات الصحفية المنتظمة رغم المخاطر الأمنية في ظل الحرب، وليس انتهاء بالبيانات والبلاغات الصحفية المستدامة، فهو يقوم بأكثر من عمل وظيفي، فإلى جانب مهمته الرئيسية كمتحدث رسمي لقوات صنعاء، فهو مديرعام التوجيه المعنوي، ورئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر التي تصدر كل يومين في الأسبوع، ومسؤول إذاعة 21 سبتمبر، ومسؤول مركز عمليات الرصد والمتابعة للتطورات الميدانية على مدار الساعة.

لم يكن يحيى سريع أكثر تأهيلاً أو أوسع خبرة أو أفضل لساناً من عبده مجلي، لكنه قد يكون أصدق ولاء لقائده وأعمق انتماء لجماعته وأشد حماساً لأداء عمله.

صحيح أن متحدث قوات صنعاء يستفيد من واحدية المصدر المعلوماتي، ويستمد حضوره من قربه من صانع القرار الأول في سلطة صنعاء، لكنه أيضاً يمتلك عقيدة راسخة وقناعة ثابتة بصوابية ما يقوم به كواجب ديني وأخلاقي وليس كوظيفة عابرة.

التفاوت الكبير بين سريع ومجلي يكشف اختلال المعادلة السياسية والعسكرية بين جماعة الدولة بصنعاء ودولة الجماعات في عدن وتعز وغيرهما، كما يكشف هذا التفاوت بين العميدين "سريع ومجلي" جانباً من توجه صنعاء نحو بناء مؤسساتها وتفعيلها، وقد حققت خطوات كبيرة في سبيل ذلك، فلم تعد أسماء الناطقين تتعدد كما كانت، ولا مصدر للمعلومة سوى المتحدث الرسمي وحده، مقابل تضخم فشل حكومة هادي في البناء المؤسسي، واتساع هوة التباينات بين مكوناتها وفصائلها، واستنادها لتحالف لا يعترف بها ولا يسمح لها بحرية التنقل والحركة داخل البلاد، بل ويؤسس لمشاريع التجزئة المستدامة والاحتراب المزمن.

كاريكاتير