drawas

454x140 صوت واضح

تعز .. حسابات السياسة والجغرافيا في خارطة الصراع الإقليمية

تعزتئن تعز مجدداً وقد تركت وحيدة غارقة بالفوضى بلا عائل ولا قضية، ولم تحضر حتى على أجندة الأطراف اليمنية التي تتحاور في السويد ولو من باب المزاج السياسي المتقلب، وهي التي ترسم ملامح اليمن منذ 2011، وتتعرض وأهلها لأبشع صور التنكيل الطائفي والمناطقي وقد حوّلها الاستقطاب السياسي والعسكري إلى لعبة تتقاذفها أطراف الصراع شمالاً وجنوباً.

لا شيء يذكّر المتحاورين بهذه المدينة العريقة وتاريخها النضالي على مدى العقود الماضية، سوى الزخم الشعبي الذي ينعكس بصورة تظاهرات سلمية خطتها هذه المدينة رغم محاولات جرّها إلى العنف والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

وفي آخر صرخة لأبناء المدينة، شهدت ساحة الحرية الجمعة تظاهرة حاشدة علّ ثمة من يقيس حجمها ولو من بوابة الثقل السكاني، لكن وكالعادة فهؤلاء الذين هتف بعضهم يوماً لهادي وشرعيته تفاجأوا بأنها لا تشكل شيئاً في قاموس مناورات السياسيين المثخنين أصلا بالصراع على السلطة، مع أن أغلب أعضاء الفريقين من أبنائها، ولكي لا تموت حسرة أعطاها رئيس وفد هادي، بريق أمل للحياة بإعلان رغبته إضافتها إلى أجندة المفاوضات، كان ذلك في الوقت الضائع فالأجندة قد رسمت مسبقاً ولا مجال للإضافة والحذف بقرار مكتب المبعوث الأممي الذي أعلن أجندة المشاورات قبل انطلاقها.

لكن وبينما كان اليماني يفصل تعز على مقاس مصالح الشرعية، أطبق المقاتلون الذين تمولهم حكومته الحصار على آخر منافذ المدينة وشريانها الوحيد وقد أغلقوا خط الضباب الرابط بين تعز وعدن بحجة أن أحدهم قتل خلال معارك بينية تغذيها الأطراف الخارجية والداخلية، لا لهدف سوى سلب المدينة ما تبقى من هدوئها وسلميتها وإغراقها بالمزيد من الفوضى وهي التي ودعت لتوها قتيلان و14 جريحاً في معارك قد لا يشكل الخلاف فيها قيمة قربة دم لإنقاذ أحد المصابين ممن سقطوا في سوق السمك أو سوق للقات.

تدرك أطراف الصراع قيمة تعز وقد عملت منذ اللحظات الأولى على جعلها خزان بشري لتغذية جبهات القتال بدماء أبنائها، ولا يراد لها الخروج من هذا المستنقع الذي يقوده تجار الحروب، وهي اليوم من لا يزال مصيرها مجهولاً في سوق الحرب هذه، فلا سلطة تديرها غير مزاجية العصابات المسلحة التي تتخذ صور مؤسسات وأجهزة رسمية وتحمل صفات جنود ومن أبناء المحافظة أيضاً، وقد حولت هذه العصابات المدينة إلى بؤرة للقتل والخطف والنهب والسلب، ولا طرف سياسي يريد التعامل معها كمنظومة متكاملة بعيداً عن حساباته الخاصة، وحتى التحالف نفسه الذي هتف بعض الأهالي بإسمه يوماً يعد سيناريو أكثر عنفاً وقد أعاد أبو العباس إلى المدينة مجدداً وأضاف إلى قواته ليس اللواء 35 مدرع الذي ترى فيه الإمارات مخلصها من خصومها في الشرعية، بل أيضاً بتهديد قادة الفصائل المناوئة لها بالإرهاب، وقد سُوّق مؤخراً عدنان زريق وقائد محور تعز كإرهابيين أو متسترين عليهم، وكل هذا حتى لا تبقى قوة بإمكانها معارضة مشاريع السعودية والإمارات الهادفة لعزل المدينة عن ساحلها في باب المندب والمخاء.

قد تكون تعز الوحيدة التي تعاني بسبب حسابات السياسة والجغرافيا داخليا، لكنها تظل ضمن خارطة اليمن التي تتعرض لحرب في إطار مخطط إقليمي لتغيير هويته الثقافية وتمزيق نسيجه الاجتماعي، لا لهدف سوى إضعاف هذا البلد الذي كان يشكل ذات يوم ثاني أكبر البلدان في الجزيرة العربية وأهمها استراتيجياً.

كاريكاتير