drawas

weeb y

الحوثيون إلى أين؟

abasخطأ الحوثيين في شنهم الحرب على السلفيين في" دماج" كان مريعاً، بغض النظر عن مسوغاتهم، أقل ما يقال عنه إنه خطأ استراتيجي أوقعهم في فخ سيصعب عليهم النجاة من آثاره الكارثية وعواقبه الوخيمة على مستقبلهم السياسي.

ظن الحوثيون، وكل الظن إثمٌ، أنهم قادرون على المواجهة، متى شاؤوا، وأنهم قادرون على الانتصار متى أرادوا، وأنهم قادرون على السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية في المناطق التي يسيطرون عليها متى أحبوا، هذا الظن خذلهم هذه المرة.

فمن ناحية يبدو أن السلفيين في (دماج) أكثر إصراراً على المُنازلة والمواجهة، متسلحين بحِلفٍ يصعُب كسره، ومَدد مالي وتسليحي وقبَلي هائل.

قبيلة (حاشد) كبرى القبائل اليمنية تقود ما سمِّي بحلف النصرة، الذي يمتد على كامل الجغرافيا المحيطة بالحوثي،

ويزداد كل يوم اتساعاً، ويضم في طياته أهم التكتلات القبلية والسياسية كقبيلة (بكيل) وسواها من القبائل الأخرى، ومعهم حزب التجمع اليمني للإصلاح وحزب الرشاد السلفي.

القبيلتان الكبيرتان في اليمن( حاشد) و(بكيل) لم يكن في وارد التنازل عما تعوّدتا عليه من الهيمنة على بقية القبائل والمشاركة في السلطة والثروة لأكثر من أربعين عاماً، ثلاثون منها في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح فضلاً عما أصاب (حاشد) من جُرح لكبريائها جراء معارك أنصار الله "الحوثيين" لمعقلها في "العصيمات" قلب القبيلة الواسعة النفوذ.

استطاعت بعض (حاشد) بقيادة أبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وجنرال القبيلة علي محسن الحاج المشهور بـ"الأحمر" من قيادة حلف "النصرة " الموجه ضد الحوثيين وجر بقية المكونات السالفة الذكر معهم، وهم من وجدوا في الحوثي تهديداً وجودياً وحقيقياً ينازعهم السيادة والزعامة، ووجدوا من ذريعة المناصرة للسلفيين المبررَ الكافي للانخراط المباشر في الصراع الحوثي السلفي، فضلاً عن تعاظم المكاسب السياسية التي سيجنونها جراء هذا التدخل، يكفيهم فقط أنهم عادوا بقوة الى واجهة الصراع، والتحكم بعد محاولة التشكيك في جدوى استمرارهم بوصفهم قوة قبلية قادرة على التأثير وصنع الزعامة، وزعزعة هيبتهم عن مجمل الطروحات الثورية في اليمن، وغير بعيد أيضاً فقد وجد حسين الأحمر وإخوته ما يشبع نزواتهم وهوسهم في إعادة تسلّم الزعامة على كامل قبيلة (حاشد) بعد أن كادت تتسرب من بين أصابعهم مع بروز شخصيات أخرى قادرة على إزاحتهم عن عرش (حاشد).

لا أستطيع الجزم فيما إذا كان الحوثيون يتحسبون لكل ذلك أم لا؟ وهل كانوا يتحسبون أن يمتد الصراع حتى يشمل جغرافية (صعدة) وما جاورها أم لا؟ لكن المرجح أنهم لم يكونوا يتحسبون لذلك، والدليل تفاجُؤُهم بحجم التحالف وعدد الجبهات التي فتحت في وجوهِهم وحَجم الدعاية الهائلة التي نالت من كل شيء فيهم، ابتداء بالنشأة وما صاحبها، وانتهاء بالمصير، الدليل الآخر اتهامُهم القديم المتجدد لِما سمِّي بحلف النصرة بأنه يدين بعلاقات تتجاوز حدود سيادة الدولة اليمنية، وأن هذا التجمع ليس سوى أداة بيد القوى الخارجية التي تناصبهم العداء، ويتهمونه بشكل علني بالتعاون مع الجيش اليمني طوال حربهم معه سواء بالتدخل المباشر أو بالدعاية الموجهة عليهم.

وما قضية مناصرة السلفيين من "وجهة نظرهم" إلا ذريعة تبدو مقبولة عند عامة الشعب اليمني الذي من شيمهِ مناصرة المظلوم، والهدف الأساسي هو عرقلة تقدمهم السياسي والفكري الذي وجد مُراغماً في الأرض وسَعة في الآونة الأخيرة.

فهم يعتقدون أن عدم مغادرة الجنرال علي محسن الأحمر لماضية القائم على تغذية الصراعات وخلقها وهو الذي قاد ست حروب ضدهم وهو من كان يقف حجرَ عثرة أمام أي تسوية للوضع في (صعدة) يصبُّ في هذا الاتجاه.

لكن المؤكد أن حروب (صعدة) السابقة ليست سوى انعكاس لصراع القصر في صنعاء، في سياق محاولة القطبين الحاكمين إزاحة أحدهما عن السلطة والحلول محله بغير شراكة، فمن جهة يرغب علي محسن الأحمر في القضاء على فرصة أحمد علي عبد الله صالح في الحكم عبر توريثه.

ومن ناحية أخرى رغب الرئيس السابق علي عبد الله صالح في إزاحة الجنرال علي محسن الأحمر الذي كان يشكل العقبة الكأداء أمام طموح ولده أحمد علي عبد الله صالح في سعيه لاعتلاء عرش اليمن بعد أبيه. ولن يتأتى ذلك إلا عبر إنهاكه وإنهاك قواته العسكرية "الفرقة الأولى مدرع" التي تتشكل من أهم الألوية في الجيش اليمني جيدة التسليح في حروب (صعدة) وربما القضاء عليه شخصياً، وهي الجولة التي أتت في نهاية المطاف لمصلحة الجنرال الأحمر بعد تحالفه الشهير مع أبناء الشيخ عبد الله الأحمر أثناء ثورة 2011 في اليمن والتي آلت إلى إقصاء الرئيس صالح عن حكم اليمن، وكذا إنهاء حلم ولده أحمد من اعتلاء سدة الحكم وتحوله الى سفير لليمن لدى دولة الإمارات العربية المتحدة.

ما يهمنا في الأمر هوَ: هل وقع الحوثيون في فخ نصِبَ لهم بإحكام؟ أم أن الحوثيين اعتقدوها حرباً ستؤسس لإقليمهم المنتظر الذي يطبخ ويُجهَّز على نار هادئةٍ في أقبية مؤتمر الحوار الوطني المنعقد في صنعاء؟ ولأجل ذلك لابد من تسوية الميدان من دون أي منافس مذهبي أو سياسي يفسد عليهم السيطرة الكلية على (صعدة) و(الجوف) و(حجة) و(عمران) وربما (الحديدة)!!

أياً تكن القراءة للمشهد فهوَ لا يخرج عن سياق الصراع السياسي الداخلي، وكذا الإقليمي والدولي على الملفات الساخنة في المنطقة المتخمة بالصراعات السياسية والمذهبية.

ليس بعيداً إذا قلنا إن هذا الصراع في حال استمراره واستمرار محاولة جره إلى الطائفية، فلن يقف عند حدود محافظة (صعدة) وما جاورها، بل سيمتد الى مساحات أخرى بحجم التحالفات القائمة حالياً، والتي تنتشر على كامل مساحة اليمن شمالاً و جنوباً.

المنتصر فيه مهزومٌ، والخاسر الأكبر هو اليمن ووحدته التي أوشكت على الانفراط.

حمَى اللهُ اليمنَ وأهله وجنّبَه شرورَ أعدائه وشرَّ بعض أبنائه.

كاريكاتير