drawas

454x140 صوت واضح

مصر واليمن.. مقاربات ومفارقات

alhubishiمصر واليمن دولتان لهما جذور تاريخية عميقة وتراث قديم وشعبان عريقان يصعب تجاوزهما بسهولة مهما بلغت المحاولات الخارجية من ابتكار وسائل ثقافية وسياسية أو حتى إرهابية لتطويعهما لا سيما في المبالغة باستخدام العنف المفرط لتركيعهما بالقوة.

وبالمقابل فإن مصر واليمن تواجهان خصم واحد مشترك وهو (جماعة الإخوان المسلمين) المدعومة مالياً ومعنوياً وعسكرياً وسياسياً من الخارج. وهذه الجماعة تتبنى الإرهاب في كلا البلدين بصرف النظر عن المصطلحات والتسميات المستخدمة.

بما أن مصر هي رائدة وقائدة الوطن العربي لما تشكله من ثقل ثقافي وحضاري واستراتيجي تعتبر أيضاً الخاصرة والنموذج الأهم للأمة العربية سلباً وإيجاباً؛ بدونها يُقضى على الجميع، وبها ينهض الجميع، لذا فإن التركيز على تركيعها بكل قوة كان سمة وعنوان العقود الطويلة الماضية منذ معاهدة كامب ديفيد التي لم يكتفِ بها، حيث أنه في الآونة الأخيرة أصبح لزاماً على القوى الدولية القضاء على دور مصر الريادي بالكامل وذلك للتخلص من أي أمل في إعادة هذا الدور،  فتم إخراج الإخوان المسلمين من القمقم وتسليمهم حكم مصر بعد إرهاصات تم الإعداد لها مسبقاً لأعوام طويلة.

في اليمن أدت السعودية الدور المماثل التي أدته معاهدة كامب ديفيد في مصر وذلك بسيطرتها الكاملة على الشأن اليمني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً مع استدخال دور محدد للإخوان المسلمين حتى يكونوا على أهبة  الجاهزية لاستلام الحكم في اليمن لاحقاً.

المفارقة هو أن مصر تمكنت من الاحتفاظ بمؤسساتها الوطنية وعلى رأسها الجيش والقضاء والأمن بينما في اليمن تم تدمير الجيش والقضاء والأمن وكل شئ آخر ومن وقت مبكر.

المعالجات التي تم اتخاذها في كلٍ من البلدين إزاء الخطر

في مصر إنقلب الشعب بقيادة مؤسسته العسكرية على جماعة الإخوان وأودعوا قياداتها في السجون وقاموا بمواجهة المؤامرة الدولية وتبنوا خطة سياسية أسموها (خارطة الطريق) للخروج من الأزمة والمأزق السياسي الذي واجتهه مصر. أعاقت بقايا عصابات الإخوان ومن يقف ورائها تنفيذ العملية السياسية (خارطة الطريق) من خلال القيام بالعديد من الأعمال الإرهابية، فقامت الحكومة المصرية المؤقتة بإصدار حظر قانوني وإعتبار الإخوان جماعة إرهابية.

في اليمن على العكس من ذلك تم تسليم البلاد ومقدراتها وقرارها السيادي والسياسي للخارج هروباً من إستحقاقات الثورة الشعبية عن طريق التوقيع على ما سميت ب(المبادرة الخليجية) وتم مكافأة الإخوان المسلمين بفرض إشتراكهم في  السلطة.

في مأزق أم في ظرف إستثنائي

- تمر مصر في ظرف إستثنائي ومؤقت بعد أن تجاوزت الخطر المحدق بها وذلك من خلال إتخاذ قرار القضاء على جماعة الإخوان المسلمين والتمشيط على الجماعات الأخرى التابعة لها في عموم البلاد.

 - تجاوزت مصر محنة التقسيم والتمزيق والتشرذم أو الحرب الأهلية.. وهي الآن بصدد إعادة بناء الدولة المتكاملة لكنها تعيش في ظرف إستثنائي بسبب حجم الكارثة والهجمة الشرسة التي تواجهها، ولذلك فهي بحاجة إلى معالجات إستثنائية.

المعالجات الإستثنائية

ينبغي على الحكومة المصرية المؤقتة أن تخرج من قُمقم الإجراءات التقليدية في تنفيذ خارطة الطريق التي سيصعب تنفيذها في الظرف الإستثنائي الحالي الذي يتم فيه مواجهة جحافل الإرهاب، وأن تبتعد ولو مؤقتاً عن الصندوق الإنتخابي الذي أصبح عبارة عن (تابو) او الإعتقاد بتحريم أو بعدم جدوى إتخاذ أي معالجات سياسية بدونه. ثورة ثلاثين يونيو الماضي التي أزاحت الإخوان عن السلطة كانت إبتكاراً مصرياً فذاً ورائعاً. فما هو المانع من إكمال خارطة الطريق بنفس هذا الإسلوب الراقي العظيم وهو كالتالي:

1 – الإستفتاء على الدستور بخروج الشعب المصري بنفس طريقة ثلاثين يونيو بعيداً عن الصندوق.

2- إلغاء الإنتخابات البرلمانية بشكلها التقليدي الصندوقي، ويتم إعداد قائمة بالشخصيات المعروفة بالعفة والنزاهة والقدرة والكفاءة من كل دوائر مصر بالعدد المطلوب للبرلمان، ويستفتى عليها من قبل الشعب المصري وذلك بخروجه  بنفس الطريقة السابقة.

3 – يقوم مجلس الشعب الذي أستفتي عليه من كل الشعب أو غالبيته على مرأى ومسمع من العالم أن يقوم بترشيح الرئيس الذي يتم الإستفتاء عليه أيضاً بنفس الأسلوب الجماهيري المهيب. وبهذا تكون مصر قد أنجزت خارطة الطريق ونفذت حكومتها المؤقتة ماوعدت به.

أما اليمن في مأزق تأريخي وليس في ظرف إستثنائي

وهذا هو الفرق الجوهري بين اليمن ومصر. بات الوقت متأخراً على اليمن بأن تحذو حذو مصر لأنها قد بدأت في الدخول بالنفق المظلم بقيادة الإخوان المسلمين الذين لا يرجون هذه الأيام الإ  السلامة أكثر من أي شئ آخر بعد إنكشافهم في مصر إلا أنهم قد وضعوا البلاد على شفى هاوية  التي سينتهي بها المطاف في أحسن الأحوال إلى إقامة سلطات متعددة في إطار حكم ذاتي (غير مستقل). مايتم الآن من تجاذبات في أروقة مؤتمر الحوار الوطني وخارجه بين مختلف الفرقاء هو محاولة الوصول على الأقل إلى هذا المخرج (حكم ذاتي) تابع للخارج لا أقل ولا أكثر أقل من مستوى السلطة الفلسطينية الحالية إضافة إلى تعدد الكيانات والقيادات والولاءات والمناطق. هل هذا مأزق؟؟ بالتأكيد هو مأزق وكبير أيضاً!  هل يمكن الخروج منه؟ التكملة في مقالة الأسبوع القادم.

كاريكاتير