أهداني الصديق العزيز الأستاذ محمد صالح النعيمي، كتابه الصادر حديثا، بعنوان "ساعة للتاريخ".
الكتاب صدر عن مركز التراث والبحوث اليمني، ويقع في 170 صفحة من القطع المتوسط، يتصدره تقديم للأستاذ زيد الوزير، في بضع صفحات تحدث فيها عن النعيمي والظروف التي نشأ فيها والأحداث المتزامنة معه منذ مولده عام 1961م في قرية النعيمات قبل عام من إعلان قيام الجمهورية، وحتى وصوله إلى عضوية مجلس رئاسة الجمهورية.
ويتضمن الكتاب سلسلة حوارات تلفزيونية، تحدث فيها النعيمي عن نشأته وحياته الاجتماعية والتعليمية والسياسية.
كما يحتوي الكتاب على أحداث ووقائع تاريخية هامة، وخاصة فيما يتعلق بالأحزاب السياسية اليمنية منذ بداية التعددية الحزبية في اليمن عام 1990م وحتى اليوم، وما رافقها من تحالفات وتكتلات واستقطابات وانقسامات، وغيرها.
اتحاد القوى الشعبية
تحدث النعيمي عن مراحل تأسيس حزب اتحاد القوى الشعبية بعد فشل ثورة 1948م الدستورية، تحت مسمى "عصبة الحق والعدالة" ثم حزب الشورى الذي تم تأسيسه في عدن عام 1956م. وعندما أعلن البريطانيون قيام "الجنوب العربي"، ضغط على الأحزاب؛ لتأييد هذا الكيان، فرفض حزب الشورى، وسحبت رخصته؛ فأطلق (حزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية) في عام 1961م بدلاً عن (حزب الشورى)، وقد استمد حزب الشورى واتحاد القوى الشعبية أفكاره ومبادئه وأهدافه من المفكر إبراهيم الوزير الذي أسس أيضاً قبل ذلك تنظيم "الشورويون التعاونيون" في خمسينيات القرن الماضي، وما زال نشاطهُ السياسي مستمراً حتى الآن، بحسب تأكيد النعيمي.
وبالرغم من أن فكرة إنشاء حزب اتحاد القوى الشعبية انطلقت من شمال الوطن، إلا أنه تم إعلان تأسيسه في مدينة عدن عام 1961م.
ولم يتقوقع حزب الاتحاد على ذاته والاكتفاء باستقطاب شخصيات يمنية وازنة، مثل الشيخ ناجي الغادر والشيخ محمد الباشا بن زبع والشيخ درهم الشليف وغيرهم، بل تجاوز حدود البلاد ونجحت أفكاره في اجتذاب مثقفين عرب في مقدمتهم المفكر العربي مالك بن نبي الذي كان مستشارا سياسيا للحزب.
وينتهج اتحاد القوى الشعبية ثلاثة مبادئ أساسية هي " العدل في المال، والخير في الأرض، والشورى في الأمر".
ويحسب لمؤسسي وقادة اتحاد القوى الشعبية بأنهم أول من قالوا لا للحكم الإمامي الاستبدادي و"نعم للثورة الدستورية عام 1948م" وأول من قالوا "لا" لصعود علي عبدالله صالح إلى الرئاسة من خلال عضو مجلس الشعب التأسيسي محمد عبدالرحمن الرباعي، وأول من قالوا "لا" لتوريث الحكم لأحمد علي عبدالله صالح، عبر صحيفة الشورى لسان حال اتحاد القوى الشعبية، وحينها وصف الرئيس صالح صحيفة الشورى بأنها الجناح العسكري لحزب الاتحاد.
"آل الوزير" و "آل صالح"
يسرد النعيمي تفاصيل سوء العلاقة بين سلطة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وقيادة حزب الاتحاد التي اضطرت لمغادرة البلاد وممارسة أنشطتها من وراء الحدود،
ورغم ذلك لم تأمن من التحريض والمطاردة، بل وصل الأمر إلى درجة محاولة اغتيال الأمين العام للحزب "ابراهيم الوزير".
الوحدة والحرب
في هذا الكتاب، لم يكتف الأستاذ النعيمي بسرد الوقائع التاريخية كما هي، بل تناولها بأسلوب نقدي تحليلي تشخيصي استنباطي وصولا إلى استخلاص الدروس المستفادة من تلك الأحداث التاريخية وتقديم التوصيات الضرورية لتفاديها مستقبلا حين يعيد التاريخ نفسه.
وهذا ما يتضح جليا في حديثه عن الوحدة اليمنية وأسباب اندلاع حرب صيف 1994م، ونشوء العلاقات المتذبذبة بين الأحزاب السياسية اليمنية، وإيجابيات وسلبيات التجارب الانتخابية، وكيف غدت اللعبة الديمقراطية إلى ما يشبه التنافس الحقيقي كما حدث في انتخابات 2006م.
تجربة اللقاء المشترك
استعرض النعيمي مراحل تأسيس اللقاء المشترك، ابتداء بتأسيس التكتل الوطني للمعارضة عام 1993م، مرورا بإنشاء مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة عام 1995م، وانتهاء بتشكيل "تكتل أحزاب اللقاء المشترك".
وأشاد النعيمي بتجربة اللقاء المشترك، واصفا إياه بأنه إنجاز فريد من نوعه على مستوى الوطن العربي.
ويرى النعيمي انضمام حزب الإصلاح إلى تكتل أحزاب اللقاء المشترك أدى إلى ضعف هيمنة السلطة على المعارضة، وفشل أهم الركائز التي كان يعتمد عليها نظام صالح لإضعاف المعارضة.
وفي إطار حديثه عن الإصلاح فقد أنصف النعيمي عدد من قيادات الإصلاح مثل محمد قحطان وزيد الشامي وسعيد شمسان.
وتطرق النعيمي إلى الانتخابات الرئاسية عام 2006م التي هزت أركان نظام الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، بل حكمت بإسقاطه مع وقف التنفيذ، وفوز مرشح المعارضة المهندس فيصل بن شملان لولا تدخل صالح لتغيير الأرقام الحقيقة لتلك الانتخابات، كما أكد ذلك الجنرال علي محسن الأحمر في مقابلة له مع قناة الجزيرة، ولذلك كانت انتخابات 2006 آخر انتخابات في اليمن حتى اليوم.
ويرى النعيمي أن الفترة الزمنية ما بين العام 2006م والعام 2011م هي أرقى مراحل التاريخ السياسي والعمل الحزبي في اليمن.
وما لا يعرفه الكثير عن الأستاذ النعيمي هو أنه أحد أبرز مهندسي العلاقة بين أحزاب اللقاء المشترك وجماعة أنصار الله "الحوثيين" منذ العام 2009م حين وافقوا على المشاركة في اللجنة التحضيرية العليا للحوار الوطني، ثم المشاركة في اعتصامات ثورة 11 فبراير بساحة التغيير بصنعاء.
ثورة فبراير وما بعدها
ثورة 11 فبراير كان لها نصيب وافر في حديث الأستاذ النعيمي كونه من أوائل المشاركين فيها والمنغمسين في أحداثها، بل تعرض في سبيلها للاعتقال أو بالأصح للاختطاف في أكتوبر 2011م، أثناء تواجده في مطار صنعاء.
كما كان النعيمي أحد شهود العيان المقربين حين تعرضت الثورة للالتفاف والاحتواء عبر "المبادرة الخليجية" التي تم تعديلها لخمس مرات متعاقبة وكل نسخة منها كانت تأتي بصيغة تنتقص الصيغة السابقة وتقدم المزيد من التنازلات لرموز النظام السابق وصولا إلى منحهم الحصانة الكاملة والشاملة.
وفي هذا الكتاب يكشف الأستاذ النعيمي عن أسباب فشل مؤتمر الحوار الوطني الذي حظي بإجماع يمني منقطع النظير، وعن الدور السلبي للسفارات الأجنبية في العبث بمخرجات الحوار، والتدخل في صياغة مسودة الدستور وفرض الأقاليم الفيدرالية، وكيف أفضى الحوار الوطني الذي استمر لأشهر، إلى الحرب التي استدامت عقد من الزمن؟
وأثار النعيمي العديد من التساؤلات حول أحداث 21 سبتمبر 2014م، ومرحلة ما بعد الحرب.
وأكد على ضرورة تنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة المدنية الحديثة التي استهدفت إحداث تحول شامل في إدارة الدولة والتنمية، عبر تحقيق مجموعة من الغايات والأهداف الاستراتيجية التي من شأنها النهوض الشامل بواقع اليمن ومؤسسات الدولة، والذي كان النعيمي على رأس فريق إعداد هذه الرؤية.
بالطبع قد نختلف مع الأستاذ النعيمي حول بعض الآراء التي وردت في هذا الكتاب وهي تعبر عن وجهة نظر شخصية ينبغي أن تحترم، بيد أن معظم ما تضمنه الكتاب متفق عليه من قبل الجميع كونها أحداث واقعية ومعلومات موثقة وقضايا جلية وملموسة على الأرض وأثبت الزمن تحققها، كما جرى في الحرب العدوانية على اليمن التي رفعت شعار "دعم الشرعية" لكنها استهدفت كل اليمن وجميع اليمنيين وخلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ومئات الآلاف من النازحين واللاجئين والمشتتين، وملايين اليمنيين من الجوعى والمعوزين، ودمرت كل مقومات الحياة في البلاد، وزرعت المليشيات والفصائل المسلحة في مختلف الجهات الجغرافية الأصلية والفرعية، بهدف استدامة الحروب البينية والصراعات الداخلية اليمنية.
من هو النعيمي؟
ينتمي الأستاذ النعيمي إلى قبيلة قوية الولاء لذاتها ولأبنائها، شديدة التمسك بتراب الأرض ومبادئ الأعراف والأسلاف، وهي قبيلة نهم الممتدة والمتداخلة بين محافظتي صنعاء ومأرب، والتي ظلت لعقود بعد قيام النظام الجمهوري بعيدة عن سيطرة سلطة صنعاء، وبالتالي محرومة من المشاريع الخدمية وأبسط مقومات التنمية.
، والتقى بالعديد من المفكرين العرب مثل خالد محمد خالد وطارق البشري ومحمد الغزالي وفهمي هويدي ومحمد عمارة ومحمد سليم العواء ومصطفى أمين وجمال البناء وغيرهم.
ويتفرد النعيمي بخاصية نادرة لا تتوفر لدى غالبية السياسيين، وهي أنه يستمع أكثر مما يتكلم ويسأل أكثر مما يجيب، ولا يحب الاستعراضات الخطابية والبهرجة الإعلامية، ولا يدعي بما ليس فيه، ولا يتردد في الاستعانة بأصحاب الاختصاص ويتعامل معهم بأسلوب راقي وتقدير جم حتى لو كانوا أدنى منه مكانة.
ومن يعرف الأستاذ النعيمي عن قرب يدرك حجم البراءة والبساطة والتلقائية التي يتمتع بها دون تكلف أو تصنع.
فهو يمتلك كميات هائلة من القيم الدينية والقبلية الأصلية، وفي ذات الوقت مفعم بمبادئ الجمهورية وشديد الإيمان بضرورة وجود الدولة المدنية الحديثة.
كما يتصف النعيمي بأنه يعشق العمل في الظل ولا يحب الظهور والضجيج، ولديه إصرار عجيب على تحقيق أي هدف يقتنع به، فيسعى وراء ذلك بشكل دؤوب بعزيمة لا تلين وفائض كبير من الصبر وقوة التحمل.
وهذا ما ساعده على الانتقالة الكبرى من القرية وديوان القبيلة إلى مجلس الرئاسة.
ختاما
أفضل ما يتسم به كلام النعيمي في هذا الكتاب هو اللغة التصالحية الجاذبة للجميع، ودعوته لكافة القوى السياسية اليمنية إلى رفض الارتهان الخارجي والاستئثار الداخلي والإقصاء السياسي ونبذ الصراعات والتخلي عن العنف ومحاربة الفساد، والتوجه نحو بناء دولة يمنية مدنية حديثة، يسودها القانون والعدل والمواطنة المتساوية.
وهذا هو صناعة التاريخ الحقيقي والإيجابي لليمن واليمنيين.
المقالات الاقدم:
- أمام وسائل الإعلام.. مشادة كلامية حادة بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض - 2025/02/28
- حماس تعلن استعدادها للتنازل عن "حكم غزة" مقابل شرط وحيد - 2025/02/28
- صحيفة بريطانية تتهم قوات سعودية بقتل "مئات المهاجرين الإثيوبيين" في الحدود مع اليمن - 2025/02/28
- حماس ترفض تمديد المرحلة الأولى من الصفقة ووفد إسرائيل يغادر القاهرة - 2025/02/28
- السبت أول أيام شهر رمضان في هذه الدول العربية والإسلامية - 2025/02/28
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127116 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26806 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26098 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20467 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17775 مرُة