drawas

454x140 صوت واضح

من ذكريات بلاد السوفييت (2)

علي الشيبانييتميز الإنسان الروسي عموماً بالبساطة والصدق والعاطفة وصدق القول والعمل والمعاملة، هذا في زمن النظام الاشتراكي، أما الآن فلا أعلم عن مقدار التحول في السلوك العام الذي قد يحدثه الانتقال للنظام الرأسمالي.

أثناء دراستي في موسكو وعند تأدية الامتحانات النهائية للسنة الدراسية الأولى، ولمعرفتي المسبقة بمستواي في مادة الفيزياء أخذت كتاب المادة وهو بالمناسبة أكبر كتب المواد العلمية، وضعته في خصري ولبست جاكتاً طويلاً لإخفائه، لكن ويا لحظي العاثر سقط أثناء سيري في الفصل نحو المقعد، ولأن أرضيات كل المنشآت هناك تغطى بالألواح الخشبية لتفادي برودة الشتاء فقد أحدث صوتاً مدوياً لفت أنظار الجميع وأحدث لي حرجاً شديداً، نادتني على إثره المُدرسة وقالت مبتسمة: الطلاب يخفون ورقة أواثنتين وأنت الكتاب بحاله يا مفتري! المدرس السوفيتي عادة لا يهتم لما يسطره الطالب في ورقة الإجابة، ولذلك يقوم بتوجيه أسئلته المباشرة ومن ثم وضع العلامة بناء على مستوى الإجابة عليها.

لاحظت المدرسة ضعفي الواضح والناتج عن كوني خريج المدرسة الثانوية الفنية حيث تعطى الأولوية والاهتمام للمواد التخصصية، والتدريس المتواضع لمواد الفيزياء والكيمياء والرياضات.

قالت لي المدرسة: وأيش وصلت تعمل الاتحاد السوفيتي؟! وهو السؤال التقليدي الذي يوجهه جميع المدرسين للطالب الأجنبي عند تقصيره في أي من الالتزامات الدراسية.

أجبتها بتريقة: وصلت أبحث عن الأكل، ولأن الإنسان السوفيتي كما أسلفت يتسم بالصدق والبراءة تغيرت تعابير وجهها ودار الحوار التالي:

- هل أنت فقير؟!

- نعم فقير.

- وأسرتك كيف تعيش الآن في بلدك؟!

- تعيش بفقر وحاجة شديدة.

- مسكين هكذا شاب حلو وفقير.. طيب لو حصلت على الشهادة، هل هذا سيساعد أسرتك معيشيا؟!

- نعم وإلى حد كبير.

ثم نظرت إليّ مليّا وأضافت : شوف أنا بمنحك درجة النجاح لكن عليك أن تجتهد أكثر من أجل تتخرج وتساعد أسرتك في المستقبل.

شكرتها وغادرت القاعة وأنا أضحك لما جرى مع شعور بتقدير مضاعف للإنسان الروسي.

كاريكاتير