أنا محمد علي أحمد من منطقة " أمشعة" قبائل العواذل بمحافظة أبين، التي نشأت وترعرت فيها، وكنت أرافق أخي الأكبر عمر أحمد علي والذي كان عضواً في الجبهة القومية وكان يقوم بعمليات ضد بريطانيا، وبعد خروج بريطانيا استشهد أخي في انفجار لغم زُرع له بين لودر وقرية أمشعه، فتأثرت لذلك كثيراً وكانت بمثابة نقطة تحول في مساري السياسي، حيث كنت من كوادر الحزب الاشتراكي اليمني، وعملت محافظاً لمحافظة أبين حتى 13 يناير 1986م، وكنت حينها أقف إلى جانب الرئيس علي ناصر محمد، وانتقلنا سوياً إلى صنعاء، وظليت معه حتى حرب 94م فعدت وقتها إلى عدن وقاتلت مع الرئيس علي سالم البيض، وكنت قائد جبهة (دوفس) وكنت آخر من يخرج منها إلى جيبوتي عن طريق البحر، ثم تنقلت بين أكثر من دول إلى أن قررت التوقف في بريطانيا. وظليت في المنفى (18) عاماً وكدت أصل إلى قناعة بالاستقرار في الخارج (لندن) واليأس من العودة للوطن، ولكن أول ما سنحت فرصة العودة للمساهمة في معالجة المشكلات التي يعاني منها الوطن فسرعان ما قررت العودة دون أي تردد أو تلكؤ وبمجرد أن تلقيت اتصالاً هاتفياً من الرئيس عبدربه منصور هادي.
أنا رجل أحترم كلمتي وإذا قلت كلمة فسوف أقاتل من أجلها ولن أتراجع عنها حتى آخر لحظة مهما كانت الظروف، والكثيرين يعرفون من هو محمد علي أحمد، الذي كان آخر المحاربين من الرفاق ينسحب من جبهة دوفس عام 94م! وفي العام الماضي كنت أول العائدين عن قناعة واختيار.
ورغم كمية التحذيرات التي تلقيتها إلا أنني عدت فعلاً إلى الجنوب بنفسية متسامحة ومشاعر أخوية صادقة، ونية جادة لطي صفحات الماضي وبدء صفحة جديدة، وهذا ما حدث، بدليل أن الذين كانوا سبباً في خروجي عام 94م كانوا في مقدمة المستقبلين لي في 2012م!
ولهذا أعلنت قراري بكل وضوح بتأييد الرئيس عبدربه منصور هادي وتحملت في سبيل ذلك شتى صنوف الاتهامات بالعمالة والتخوين، لكننا متعودين على مثل هذه الاتهامات السخيفة، فعندما كنت محافظاً لأبين كان الاشتراكي يتهمني بالعمالة لعلي عبدالله صالح، وبعدها اتهمني علي عبدالله صالح بالوقوف ضده إلى جانب الحزب الاشتراكي، ثم قاتلت في حرب 94 فاتهمني علي ناصر بالعمالة للبيض، ثم في المنفى اتهمني البيض بالعمالة لعلي ناصر، وبعد أن عدت مؤخراً اتهمني بعض الأخوة في الجنوب بالعمالة للشمال ولنظام صنعاء، ثم اتهمني الرئيس علي ناصر بالعمالة للرئيس عبدربه منصور هادي، والذي هو يتهمني حالياً بالعمالة للرئيس ناصر.. والبعض يتهمني بالسعي لسحب البساط من تحت أقدام البيض.. وهكذا يستمر مسلسل التخوين والاتهامات، لكن في الأخير ما يصح إلا الصحيح.
وحين عدت إلى الجنوب لم أنكفأ على نفسي أو أبقى في محافظتي (أبين)، وإنما أصررت على زيارة كل محافظات الجنوب دون أي حسابات سياسية أو تاريخية أو غيرها، وفعلاً تفقدت جميع المحافظات واقتربت كثيراً من هموم وتطلعات المواطن الجنوبي، وتحمّلت في سبيل ذلك بعض الهجوم أو الأذى من بعض المتحمسين للقضية الجنوبية وأنا أعذرهم على ذلك. وفي النهاية تمكنت من توحيد الصف الجنوبي تحت راية واحدة وتحت قضية موحدة لولا بعض التأثيرات السلبية التي جاءت من خارج الجنوب وأنفقت ملايين الريالات من أجل إفشالنا في توحيد الشارع الجنوبي، ولهذا لم نتمكن من تحقيق أهدافنا مائة بالمائة، ولكن تمسكنا بما أمكن التمسك به، ولا زالت العملية مستمرة ومع مرور الوقت تأكد الجنوبيين من مصداقيتنا. وهذا ما أغضب البعض.
وعندما فشلوا في إفشالنا لجأوا إلى افتعال مشكلة في أبين من خلال زراعة عناصر القاعدة أو ما يبسمى (أنصار الشريعة) وتمكينهم من احتلال بعض المدن فيها، في محاولة يائسة لإسقاط الجنوب بيد القاعدة لتشويه صورة القضية الجنوبية أمام الرأي العام، لكننا تصدينا لتلك العناصر بكل قوة وحزم، واستطعنا تشكيل لجان شعبية مخلصة نجحت في دحر الإرهابيين المأجورين، وعاد المكر السيئ إلى أهله، فبعد أن كان الطيران الأمريكي يضرب في أبين أصبح يضرب في سنحان وفي صعدة وغيرهما.
أيضاً عقب عودتي إلى عدن تفاجأت بتزايد مشاعر الكراهية الجنوبية تجاه كل ما هو شمالي، وهذه لم تكن موجودة في الجنوب على امتداد تاريخه وخصوصاً في مدينة عدن التي كانت مأوى للجميع سواء من الشمال أو من الجنوب أو من خارجهما كأفريقيا وغيرها.
فيما اليوم يسعى البعض إلى تكريس هذه النزعة العدائية بين الناس وذلك لأغراض سياسية وشخصية ضيقة، ولهذا كان لا بد من الوقوف ضد هذه الأساليب التي لا تصب لصالح القضية الجنوبية، لا سيما وأن هذه الظاهرة تغلغلت في نفوس بعض الجنوبيين بشكل كبير، إلى درجة أن أسرة مثل أسرة المناضل عبدالفتاح اسماعيل لم تكن تستطع الخروج من منزلها في عدن، ولكننا استطعنا الحد أو التخفيف من هذا العداء، رغم إصرار البعض على تغذيتها، ولكن إن شاء الله ستنتهي هذه الظاهرة من الجنوب الذي يمتلك قضية عادلة ولا بد من استخدام وسائل صحيحة.
القضية الجنوبية قضية عادلة بامتياز، ولا ينبغي عزلها عن المجتمع الدولي، وهذا ما دفعنا للمشاركة في مؤتمر الحوار لإيصال الصوت الجنوبي إلى العالم في ظل التعتيم الإعلامي الممنهج، وفي ظل الانغلاق الذاتي والداخلي غير المقصود من قبل بعض المكونات الجنوبية التي ترفض كل شيء وفي نفس الوقت تريد كل شيء!
ومن هنا كان لا بد من اتخاذ قرار جريء وشجاع لقيادة الشارع الذي هو اليوم يقود القيادات التي تسمي نفسها قيادات تاريخية، مع أنها تتنافس في إرضاء الشارع ولو بطريقة خاطئة، أو بأسلوب مخالف للمنطق.
ورغم الحرص والحصافة التي يتسم بها بعض تلك القيادات كعلي ناصر محمد وحيدر العطاس وعبدالله الأصنج وعبدالرحمن الجفري وغيرهم، فقد فضّلت كعادتي انتهاج الصراحة والجرأة والإقدام في اتخاذ القرار الصائب الذي أؤمن به، وهو المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني رغم المخاطر المحتملة.
وفعلاً تم تشكيل مؤتمر شعب الجنوب، وتم الانتقال إلى صنعاء دون التفريط في قضيتنا ودون الانغلاق عليها، وشاركنا بمشروع جنوبي موحد في الحوار تحت إشراف دولي، وبهدف إثبات عدالة قضيتنا وتحقيق هدف شعبنا في الجنوب الذي ناضل وقدم في سبيل ذلك الشهداء والجرحى.. وحاولنا أن نطرح القضية الجنوبية بقوة داخل مؤتمر الحوار، ومنذ اليوم الأول للحوار رفعنا العلم الجنوبي داخل دار الرئاسة لأول مره في تاريخه.
وخلال فترة الحوار السابقة استطعنا انتزاع اعترافات واسعة بالقضية الجنوبية داخلياً وخارجياً، وكنا نسير بخطوات تدريجية محسوبة ومدروسة جيداً، وكان هناك شد وجذب في بعض المسائل الخلافية، وكان هناك مماطلات وكنا نتعامل معها بسياسة النفس الطويل، حتى تفاجأنا مؤخراً أثناء إجازة عيد الفطر بوجود صفقات سرية يتم طباختها في الحديقة الخلفية لفندق موفنبيك، وتأكد لنا ذلك بعد انكشاف وثيقة الإرياني السرية التي اتفقت عليها بعض الأطراف دون أي مشاورة معنا، أو أدنى اعتبار لوجودنا داخل الحوار، فقررنا تعليق مشاركتنا في الحوار، وهذا ليس رفضاً للحوار بحد ذاته وإنما رفضاً للآلية العقيمة للحوار.
ولذلك حرصنا على عدم إعلان تعليق مشاركتنا في الحوار بانتظار استجابة الشركاء لمطالبنا المشروعة التي هي في الأساس مطالب كل أبناء الجنوب، لكن البعض تعامل مع قرارنا هذا بنوع من الاستخفاف، والبعض قام بكيل الاتهامات المختلفة، والبعض الآخر استخدم معنا أسلوب المناورة والمراوغة فمثلاً أحياناً يقال لنا بأن الرئيس يرفض مطالبنا، وأحياناً يقال بأنه مستعد لمناقشتها، وتارة يلجؤون إلى محاولة استمالة بعض الشخصيات الجنوبية في ممثلي الحراك لتكون بديلة عن القيادات الحالية مع أننا لسنا حريصين على هذه القيادة أصلاً.
و للإنصاف والأمانة هناك الكثير من أعضاء الحوار يتفهمون موقفنا بل ويشجعونا على الاستمرار فيه، ويبدو أن موقفنا هذا كان له آثار إيجابية على كثير من الأطراف، حيث كان سبباً في تحريك المياه الراكدة، وإقناع دول الخليج وتحديداً السعودية ببذل المزيد من الدعم المالي لإنقاذ عملية الحوار كما وإنقاذ اليمن من الانهيار الاقتصادي الوشيك إلى حد الاضطرار للصرف من الاحتياطي!.. ولعل هذا ما دفع الرئيس هادي إلى إرسال أمين عام مؤتمر الحوار إلى المملكة العربية السعودية لجلب هذا المال الإنقاذي، بالإضافة إلى إقناع الراعية الأولى للمبادرة بتمديد فترة الحوار وبالتالي تمديد الفترة الانتقالية للرئيس الانتقالي وللحكومة المختلطة!
ومع هذا كله لا زال بعض الأخوة في الشمال زعلانين مننا، ويحاولوا إثارة الزوابع حولنا، بل أن بعضهم يهدد بتشكيل حراك شمالي لإرجاع ثنتين فِلل ومئات الآلاف من الدولارات التي يتم صرفها لنا منذ أقل من عام كما يقولون! بينما ثروة الجنوب وأراضيه منهوبة في البر والبحر منذ أكثر من (18) عاماً وهم يلتهمون مليارات الدولارات دون حسيب أو رقيب!
فأقول لهؤلاء شيء واحد: خذوا حقّكم العمارات وأعيدوا لنا الوطن الذي سرقتموه! وكفى الله الشمال والجنوب شر القتال.
وأؤكد للجميع بأنه مثلما تم تقديم الجنوب بطبق من ذهب في 22 مايو 1990م سنعيده إلى شعب الجنوب بطبق من ذهب قريباً.
وأدعو أبناء الجنوب جميعاً أن يثبتوا ولاءهم الوطني للجنوب وقضيته العادلة والترفع على المصالح الضيقة والولاءات الحزبية الضيقة أو المتاجرة بقضية شعبهم، فالمال زائل والوجاهة زائلة، ولن يتبقى إلا الإخلاص لقضية شعب الجنوب وقراره المصيري وسيكتب التاريخ ذلك. فإما يكتبكم في صفحات من نور وإما عكس ذلك.
وأبشر الجميع أننا بصدد تقديم ملف متكامل عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحق الجنوبيين إلى ثلاث جهات هي الأمم المتحدة والجامعة العربية والمنظمة الإسلامية، بهدف السعي نحو استعادة الدولة الجنوبية.
وأحذر بعض المحسوبين على الجنوب بأننا على أتم الاستعداد لتجهيز ملف آخر يتضمن جرائم الجنوبيين أنفسهم بحق شعب الجنوب!
المقالات الاقدم:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
- بروفيسور مصري يحذر اليمنيين: تعاطي القات مع السيجارة يسبب الإصابة بسرطان الحنجرة والدماغ - 2023/11/25
- واتس آب يتيح ميزة تجنب الإزعاج في المحادثات الجماعية - 2020/10/02
- في جريمة غير مألوفة.. رجل يغتصب ابنة زوجته ذات السبعة أعوام في حيس بالحديدة - 2020/07/21
- تحذيرات رسمية من مواد مسرطنة في بعض الأدوية المباعة باليمن - 2019/09/24
- طفلة تقتل والدتها بطريقة مروعة وغير مقصودة - 2019/09/14
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127132 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26818 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26114 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20498 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17787 مرُة