drawas

454x140 صوت واضح

حين تغدو الحكومة جمعية خيرية!

wefag2على غير عادة حكومات جميع دول العالم وشعوب الأرض قاطبةً حين تستنفر كافة الجهود والطاقات الوطنية لمواجهة أي كارثة إنسانية محتملة فتعلن حالة الطوارئ وتدعو إلى التعبئة العامة في صفوف الأجهزة الحكومية المعنية ومؤسسات المجتمع المدني وتهيئ وتُعدُّ حشود العاملين والمتطوعين ضمن فرق الإنقاذ والتطبيب والخدمات والأمن, وتستعد لإغاثة المنكوبين بالخيام والمنازل المتنقلة والأغذية والأدوية... الخ.

في اليمن الأمر مختلفٌ تماماً.. لا استعداد أو نفير.. ولا إنقاذٍ أو إغاثة.. لا مسؤولية أو تطوُّع!

في مثل هذه الحالات فإن إعلان حالة الطوارئ في اليمن لا يزيد على كونه بروتوكولاً إنسانياً شكلياً ومحفلاً إعلامياً خيرياً لجمع التبرعات والمساعدات التي لا تصل في الغالب إلى مستحقيها!

وعوضاً عن المبادرة لنجدة الضحايا واحتواء آثار الكارثة فإنك لا تلمس من ذلك كله سوى النفير العام داخل الجمعيات الخيرية وفي المساجد لجمع الصدقات ودرجة الاستنفار القصوى داخل مجلس الوزراء والمؤسسات الحكومية ذات الصلة والسلطات المحلية المعنية لاستلام بدل انعقاد الجلسات وعمل الزيارات التي لا تتم في الغالب!

الحكومة اليمنية وكعادتها تعاملت بكل برودٍ ولا مبالاة مع مشاكل المغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية, ولم تستجب لنداءات عديدة طالبتها بالتواصل مع سلطات المملكة لمعالجة وضع العمالة اليمنية وفق البند الثالث من اتفاقية الطائف الذي يكفل حرية تنقل مواطني البلدين على الأراضي المشمولة بالاتفاقية وأن تكون الأولوية للعمال اليمنيين بالعمل في السعودية حسب حاجتها من العمالة الخارجية ومساواتهم في التعامل بأشقائهم السعوديين.. أو تسعى على الأقل إلى ضمان معاملتهم أسوة بنظرائهم السوريين والبورميين والمصريين كون اليمن تعيش مرحلة انتقالية مضطربة وظروفاً استثنائية عصيبة تستدعي معالجة الأمر ولو بقليل من الإنسانية وحق الجوار..

وبدلاً من بذل الدولة أقصى جهدها للحيلولة دون ترحيل اليمنيين من السعودية, الذين وصل عدد المرحلين منهم في المرحلة الأولى- مارس 2013م- نحو ثلاثمائة وخمسين ألف عائد, وبلغ عدد المرحَّلين خلال الأسبوعين الماضيين ما يقرب من ثمانين ألف مرحَّل وفي انتظار عشرات الآلاف القابعين في سجون المملكة وقيد الترحيل.. وبدلاً من اتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض لاستقبال واستيعاب تلك الأعداد الكبيرة من المهجرين من أعمالهم ومصالحم وجدت حكومة الوفاق نفسها في مأزق وطني وأخلاقي كبير فأعلنت متأخرة التبرع بقسط يومٍ من رواتب الموظفين وتقديم عشرة مليون ريال بصورة مستعجلة!

حكومة الصناديق!

لا ندري ما الذي يمكن تعمله (10) مليون عاجلة لنحو مليون عامل مقَّدراً تدفقهم على المنافذ البرية اليمنية خلال الأسابيع القادمة! وما التعويض الذي يمكن أن يحصل عليه من فاتهم انتظار هذه المنحة الحكومية السخية التي خصصت لنقلهم إلى مناطقهم وقراهم (125 ريال لكل عائد خلال الأيام الماضية).

مقارنة بمنحة الحكومة قد يبدو خصم قسط يومٍ من الراتب الحكومي مبلغاً خرافياً (نحو مليار ونصف المليار ريال وبمتوسط 1500 ريال لأكثر من مليون موظف حكومي) لكن قيمة ذلك الرقم الكبير تتضاءل أمام تعداد العائدين وسوء الإنفاق وتفشي الفساد لا سيما في مثل هذه البرامج غير المقننة واللامنضبطة. وقد يكون ملائماً لهكذا مساعدات أن تأخذ شكل صناديق للتعويض لولا أن اليمن تمتلك تجربة سيئة لعدد كبير من الصناديق الإنمائية والإنسانية الفاشلة, في ظاهرة صناديقية غير مسبوقة على الإطلاق! فهناك صندوق للمعاقين وآخر للمغتربين وصندوق للنظافة وآخر للتراث وصندوق للشباب ومثله للرعاية الاجتماعية, وهناك صناديق لإعادة الإعمار في حضرموت وفي أبين وفي صعدة, وصناديق لتعويض شهداء ثورتي سبتمبر وأكتوبر وشهداء ثورة التغيير وضحايا الجنوب وصعدة...الخ, لكن وباستثناء الصندوق الاجتماعي للتنمية وصندوق الأشغال العامة فلا نكاد نلمس لبقية تلك الصناديق أثراً تنموياً يذكر, أكان فيما يخص الشرائح المستفيدة منها أو على مستوى محفظة الاستثمار والتنمية الوطنية عموماً.

وعلى افتراض وجود خطة عمل وآلية حكومية دقيقة لتوظيف هذه المبالغ, المعلن عنها والتي قد تأتي فيما بعد, فأنّى للحكومة والقائمين على صرف هذه المساعدات معرفة وحصر المغتربين العائدين, والذين لا يحمل كثير منهم جوازات سفر وربما لم يمروا أصلاً بإجراءات ومعابر الترحيل حيث أمكنهم التسلل عبر الحدود ذهاباً وإياباً؟!

موسم التجارة

مقابل حالة التباطؤ الحكومي المعهود تجاه مِحَن وطنية كهذه لا تتوانى جمعيات ومؤسسات خيرية عديدة عن التبكير- لا الابتكار حتى!- في استغلال هذه الفرص التي تعتبر بالنسبة لها مناسبات طيبة ومحطات خيرة لا تقل عن موسم الشهر الفضيل...

ولذلك لم يكن غريباً أن تجد جامعاً هنا أو هناك يجمع التبرعات لصالح العائدين, وتقرأ في جوَّالك رسالة تقول: ساهم في إيواء المغتربين المرحَّلين. أرسل رسالة على رقم (........) بـ (100) ريال فقط!

جمعيات كثيرة قامت وتقوم بين الحين والآخر بعمل حملات لجمع التبرعات, تارة بإسم فلسطين وأخرى لنشر الإسلام في أفريقيا وثالثة لدعم المجاهدين في الشيشان أو كوسفو أو كشمير أو سوريا, مرة باسم الأيتام والمعسرين ومرَّة لصالح مرضى السرطان, حيناً لشهداء الثورة وحيناً للمتضررين من الفيضانات أو مهجَّري الحروب, دعماً للأعراس ومشاريع خير للمعدمين... الخ! مع ذلك لا ينفق منها ما يسد رمق جائع أو يفي ثمن دواءٍ لمريض أو يكفي لنجدة منكوب وتسكين لوعة مكلومٍ أو تهدئة روعة مفجوعً, ودونما رقيب أو حسيب أو وازع!

الاسترزاق لا يبني وطناً

عُهد عن النظام السابق سَنُّه لمؤتمرات المانحين واستجداء الدعم من دول الخليج, وأُلصقت به لذلك تهمة التسول الرسمي وذلك ما كان ليمثِّل عيباً لو أنه ساهم في انتشال اليمن من واقعها الاقتصادي والمعيشي المزري... أما وقد سقط ذلك النظام المحتشم قليلاً فقد جاء نظام ما بعد التغيير أشد هواناً وبؤساً وأجرأ تكسباً وتوسلاً وتسولاً لمشائخ وأمراء الخليج؛ حتى لقد أضحى للجمعيات الخيرية حقائب دبلوماسية وسفراء وبيارق ودروع ونياشين توزّع هنا وهناك, في مهرجانات وبازارات خيرية أسطورية باذخة!

إن ثقافة مستعطية لا منتجة وأنفساً معتاشة دنيَّة وأيديَ متكفِّفة لا متعففة وأموالاً مغسولة ممحوقة لا ثمرة جهدٍ وعمل, لهي منقصة مخزية بحق شعب حرِّ أبيِّ, وأرضية رخوة موحلة لا يقوم عليها أساس لبناء حضارة أو نهضة أمة.

خلاصة القول: اليمن الجديد لن ينهض بالصدقات, والمجد لا يصنعه المسترزقون!

كاريكاتير