المسافة ما بين جامعة صنعاء القديمة وسعوان -على سبيل المثال- تقدم صورة فوتوغرافية للحال العام للبلد, حال المواطن من ناحية، والدولة وما يترتب على غيابها من ناحية أخرى.
على طول هذه المسافة الفاصلة ما بين سكني ومقر العمل والتي أقطعها بشكل شبه يومي على حافلة المواصلات العامة, أظل أركز على ما يلفت نظري من مظاهر الحياة وحركة السير وسلوك العابرين, إلى نوع الملبس وشكل الإنسان وكيفية تعامله مع المكان العام.
كل شيء أمامي يؤكد أننا في اليمن, وأننا ما زلنا في "أبجد هوز" الحياة المدنية, التي لا يبدو أننا سنبلغها سوى في ظل وجود حاكم ديكتاتوري عادل.
على ظهر الحافلة أعايش ما يبدر من الركاب, وعلى ذلكم النحو الذي لا يراعي الحد الأدنى من الالتزام بأخلاقيات المكان العام واحترام النفس.
سائق "يعرعر" بطريقة مخلة بالأدب دون وضع اعتبار لوجود النساء والأطفال ومشاعر الغير, مستخدما تلك العبارات المخلة بالحياء دون أن يجد من ينوه لعيب ما يصدر عنه.
شباب من "المياكل" بقصات شعر "سبايكي" وملابس "طيحني" وهم يتبادلون الأحاديث بأصوات مرتفعة ومضمون لغة تعكس ثقافة ضحلة وثقالة دم لا مثيل لها , لا يهدفوا منها كما يتضح سوى لفت أنظار الفتيات ولو من خلال تبادل تلك الأحاديث السمجة, والتباري في تكرار الضحكات المتكلفة والمقلدة التي لا تقدمهم أكثر من كونهم ينتمون لهذه البيئة الفاقدة لأبسط مقومات الذوق العام.
في الشارع تشاهد العجب وتصادف من المظاهر والمواقف والسلوك والتصرف ما يجعلك تلعن اليوم الذي وجدت فيه على سطح هذا الجزء من "الكبة الأرضية".
في العالم الآخر, يتوق الناس للتجوال وقضاء أوقاتهم في الحدائق والأماكن العامة, ليعودوا إلى منازلهم وقد أفرغوا الكثير من التعب واكتسبوا قدراً كبيراً من السعادة.
في اليمن يختلف الأمر كما هو في كل شيء.
تشاهد حركة السير غير المنتظمة, سيارات تسير في الاتجاه المعاكس وأخرى تقف وسط الشارع وعلى الرصيف. موتورات تظهر من حيث لا تدري ولا تتوقع وتكون جاهزة لكسر قدمك أو إصابتك بالرضوض.
"هاونات" تصم الآذان وبشكل متواصل, حيث تجد نفسك في النهاية وقد أهدرت وقتك في تجنب ما قد يطالك من هذا الوضع الفوضوي.
باعة متجولون ومفرشين على الأرصفة وحراجات ملابس, مايكرفونات تروج لبيع ما يقولون أنها علاجات لكل أمراض الدنيا, وآخرين يقدمون خدمات إصلاح الأسلحة وبيع الرصاص وأغطية المسدسات وكل ما يهم "القبيلي العسر" وهذي الأخيرة من خدمات العصر الحوثي وبلاوي "باذان".
أشكال بائسة ووجوه مكفهرة وملابس متسخة وأجسام لا تعرف المياه منذ أسابيع.
مسلحين بكامل معدات الحرب في محاولات بائسة للتغطية على رجولة مفقودة وما يعتقدونه تعويضاً لجهل مركب.
تكدس للقمائم وأناس يتبولون ويتبرزون في الشوارع , كلاب ضالة وقطط لا حصر لعددها وروائح سيئة تنبعث من كل مكان.
العدد الهائل من المتسولين فرادى وجماعات , نساء ورجال تعكس هيئاتهم ولغتهم وتوسلاتهم الوضع المزري الذي نمر به وبما يدمي القلوب, ويبعث في النفس رغبة الدوس على كل الشعارات والمقولات المنتشرة في كل مكان.
أطفال يهيمون في الشوارع بملابسهم الرثة وأرجلهم الحافية, ينتشرون في الجولات لمسح زجاج السيارات واستعراض عاهات بعضهم بهدف استعطاف الناس وتوفير مصاريف اليوم, بدلاً عن تواجدهم في منازلهم لقراءة دروسهم وتحضير واجبات الغد.
هكذا يغدو التجوال في شوارع المدن اليمنية همّا إضافياً ولعنة تتحاشى تكرارها.
المقالات الاقدم:
- برعاية وضمانة أممية.. اتفاق نهائي على آلية تبادل الأسرى اليمنيين في غضون شهرين - 2018/12/08
- الداخلية الفرنسية:مظاهرات "السترات الصفراء" باتت تحت السيطرة بعد إصابة 118 واعتقال 1350 - 2018/12/08
- الإمارات تعترف بوجود سجون سرية في عدن وتُحيل قائد أمني للتحقيق - 2018/12/08
- عدن.. تظاهرة للحراك الثوري الجنوبي تطالب برحيل التحالف من الجنوب - 2018/12/08
- الأمم المتحدة : (15) مليون يمني يعانون من المجاعة - 2018/12/08
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127117 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26806 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26098 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20467 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17775 مرُة