لم يُكن لأنصار الله كمكون سياسي مليشوي ثوري أي وجود في مايو من عام ١٩٩٠م عندما تم تحقيق الهدف الخامس من أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة التي تتمثل بإعادة الوحدة اليمنية بعد عذاب تاريخي مرير وطويل والوقوف في الكثير من محطاتها النضالية التي خاضها الشعب اليمني شمالاً وجنوباً مع طليعة نخبوية من أبناء اليمن الشرفاء لتحقيق هذا الهدف.
وبما أن إعادة الوحدة اليمنية كانت مطلب الشعب اليمني بكل فئاته وشرائحه وركن أساسي من أركان ثورة سبتمبر وأكتوبر التي ضحت من أجل انتصارها أجيال وراء أجيال، فقد كان من الصعب على أي تيار مُندس مهما كُبر وزنه وعلا شأنه السياسي والمالي والدعم الخارجي أن يُعَبّر عكس هذه الإرادة الشعبية العارمة والمتراكمة فضلاً عن اعتراضها أو الوقوف ضدها. لذا لم يجد التيار المعادي سوى أن يبدأ أولاً بقتل هذه الإرادة معنوياً وكسرها وتحطيمها في نفوس الشعب اليمني قبل أي شَيْءٍ آخر فقام بإختراق الصفوف مُدعياً زوراً وبهتاناً ومزايدةً بوحدويته التي لا تُقهر فرفع شعار (الوحدة أو الموت) بينما كان يُمارس التمزيق على أرض الواقع على طول وعرض الساحة اليمنية شمالاً وجنوباً وبأعلى درجاته من اللحظة الأولى لإعادة الوحدة وصولاً إلى إعلان الحرب على الجنوب في ١٩٩٤.
لم يكن الحرب على الجنوب موجّه ضد فريق محدد تم الاختلاف معه سياسياً ويريد تصفية الحساب معه، بل كان الهدف من الحرب هو تدمير الروح المعنوية لدى الجنوبيين الذين اندفعوا إلى الوحدة بروح وحدوية صادقة ووطنية عالية، ومن ثم تدمير الجنوب ونهب أراضيه وثرواته واعتباره غنيمة أو تركة تم تقاسمها محلياً بين أعداء اليمن ووكلاء الخارج والمشاركة مع بعض دول الإقليم الداعمة لهم، فتسنى لهذا الطرف تحقيق هدفه باغتيال هذه الروح لدى الكثير من أبنائنا في الجنوب، وصولاً إلى تسليمه للعدوان مُنهك ومُدمر وغير قادر على المقاومة بينما كان يُمارس خلال ذلك سياسة تكريس الروح والنفسية الإنفصالية من خلال التحكم والسيطرة على كل مفاصل ومناصب الدولة في الجنوب بعناصر شمالية من عند المحافظ إلى عسكري الأمن والشرطة بينما يتم تهميش أبناء الجنوب بشكل متعمد وذلك على مدى الخمسة عشر عام التالية للحرب.
فقامت الثورة واستبشرنا خيراً واستبشر الجنوب خيراً وظهر المكون الجديد الذي سُميّ لاحقاً بـ(أنصار الله) فهب كل الوطنيين الشرفاء للوقوف مع المكون الجديد القادم من محافظة صعدة الأبية الشامخة التي عانت نفس معاناة الجنوب خلال ستة حروب على مدى ما يقارب ستة أعوام. وقد كنّا من أوائل الذين جعلوا صعدة قبلتهم الأولى ومزارهم المقدس منذ فجر ثورة فبراير ٢.١١ وصولاً الى ثورة ٢١ سبتمبر وحتى هذه اللحظة قدمنا خلالها في إطار ثوري جماعي كل ما نستطيع من أجل انتصار الثورة ولتلافي كل الأخطاء التي عاصرناها وتعاصرنا معها والتي من شأن تكرارها قد يؤدي إلى ما وصلنا إليه في هذه اللحظة التاريخية مع الأسف الشديد.
ومن ضمن ما أسهمنا به هو تكوين لجان ثورية في معظم مناطق الجنوب وذلك بعد التنسيق مع أنصار الله وبعض مكونات الحراك الوطني الجنوبي وشخصيات وطنية جنوبية حتى تكون هذه اللجان بمثابة الممثل الشرعي للجنوب والإدارة الثورية لأجهزة الدولة والمتواجدة حالياً في الشمال والجنوب، ومن ثم إختيار النظام المناسب لليمن وفقاً لرؤية أنصار الله في مؤتمر الحوار والتي تتطابق مع مخرجات المؤتمر الجنوبي الأول الذي عُقد في القاهرة ووفقاً للإتفاقات الموقعة بين أنصار الله وقيادات جنوبية والتي تُجمع عليها كافة القوى الثورية شمالاً وجنوباً من خلال الدعوة الى مؤتمر عام، وقد تم التواصل مع معظم القيادات الجنوبية بهذا الشأن في الخارج والداخل بل انه قد وضعت الخطوط الأولية لقيام نظام فيدرالي من إقليمين والموافقة عليها من قِبل قيادات أنصار الله، لكننا وخلال عملنا لاحظنا وجود طرف خفي ثالث وغير مُعلن يعمل في الخفاء قمنا بالتنبيه عنه والتحذير منه مرارا وتكراراً ولكنه مع ذلك استمر بالتحرك خفيةً في صفوفنا بكل حُرية ويقوم بالتعطيل لكل الجهود التي تُبذل محاولاً سحب البساط الثوري والوطني والوحدوي في إتجاه آخر، في إتجاه إستكمال مُهمة حرب ٩٤، في اتجاه الغزو، في إتجاه كسر اليمن وتحطيم الإرادة الثورية الوطنية الوحدوية.
فوجئنا بأن ملف الجنوب تم سحبه فعلاً وعنوةً من أصحاب الخبرة والسياسة والفكر الوطني الوحدوي وتم تسليمه لمراهقين قادوا غزواً شمالياً على الجنوب الذي لا يعرفونه ونشك بأنهم يحملون فكر أنصار الله الذي حمل القضية الجنوبية كأهم القضايا الوطنية وفقاً لخطابات السيد عبدالملك الحوثي في بداية الثورة، فتحول الجهد لتوسعة الرقعة الثورية شمالاً وجنوباً إلى نسخة مكررة تماماً لحرب ٩٤ بهدف إستعادة التجربة المؤلمة وترسيخها في الذاكرة اليمنية ولتثبيت فكر تعدد الهويات المناطقية والطائفية بينما قد كنّا على وشك ردم الآثار المأساوية لها بفكر ثوري وحدوي جديد.
ما نود توضيحه في هذه العُجالة هو أن ثمة أطراف إقليمية دولية تحاول منذُ فترة طويلة عن طريق أدواتها في الداخل تكريس عملية التجزئة المعنوية في نفوس الشعب اليمني قبل تجزئة الأرض التي ستكون عبارة عن تحصيل حاصل للعملية الأولى والتي قد نجحت إلى حدٍ كبير مع الأسف حتى الآن خاصةً عندما نسمع نغمة ادوات الضمير وهي تتكسر وتتجزأ في اللغة بين .. أنتم و نحن .. بالإشارة الى جنوب وشمال وهي تتكرر في الخطاب الثوري اليمني وعلى لسان قائد الثورة. كما ان نغمة تحميل القوى الوطنية الجنوبية مسؤولية احتلال الجنوب وتسليمه لقوى أجنبية وما آلت إليه الأمور في الجنوب بعد أن تم إقصاء وتهميش هذه القوى بل وضربها في أحيان كثيرة من قبل ما يسمى بالجيش واللجان الشعبية نفسها بل وتجريد هذه القوى من كل وسائل المقاومة قبل الإنسحاب المفاجئ الذي نعرف كل تفاصيله وأبعاده السياسية بدقة، ومن ثم التنصل عنهم وعدم إشراكهم في القرارات السياسية الهامة ومن ثم تشكيل مجلس سياسي إنفصالي يستثني مشاركتهم بشكل فعلي وإستبدالهم بعناصر ضعيفة وغير فاعلة في المشهد السياسي تعمل على تبرير ذلك الخذلان والأعمال المرفوضة وطنياً ووحدوياً، ومع ذلك نقول بأنه لا ينبغي أن نُحمِّل أنصار الله فوق طاقتهم لأن الخُرق أكبر من الراقع ونظراً للقصور في خبرتهم السياسية وعدم معرفتهم للمراحل الثورية التي خاضها الشعب اليمني لا سيما في الوصول الى محطة إعادة الوحدة اليمنية، بالإضافة الى وقوعهم تحت تأثير واختراق عتاولة الثورات المضادة اصحاب الخبرة الطويلة في صناعة وإدارة الأزمات الممولة من الخارج، إلا ان ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال تجاوز تلك اللجان وتجاوز كل النصائح المخلصة وتلك الجهود الوطنية الكبيرة التي بُذلت منذ فترة طويلة على الحرب على اليمن، والإستعاضة عنها بمبررات وتنصل من المسؤولية بحجج واهية تخدم دول وأطراف الحرب وتقود الى ترسيخ وإطالة عمر الإحتلال في جنوبنا الغالي وتكريس حالة الإنقسام المجتمعي الذي صنعته حرب 1994 ولمصلحة نفس القوى الداخلية والخارجية المتآمرة على اليمن.
ومن هذا المنطلق نؤكد بأن التشرذم في الهوية الوطنية الحاصل حالياً منذ حرب ٩٤ إنما هو صناعة خارجية مئة في المئة ولا يمت بأي صلة للهوية الأسرية لليمنيين وللروح المتصلة والمتداخلة ببعضها من سقطرى الى أطراف عسير شمالاً ومن ميدي الى ظفار شرقاً. ولذلك فهي مسؤولية كل أبناء اليمن الشرفاء ان يتنبهوا الى ان العدو يعمل بكل شراسة ومن داخل صفوفنا بدرجة أساسية وما دور الخارج إلا تقديم الدعم اللوجستي والمادي لتكريس التشظي في هذه الروح اليمنية الأصيلة المتجذرة في نفوس كل اليمنيين وليتسنى له تمرير مشروعه الكبير للسيطرة ليس على اليمن وحسب بل على كل الوطن العربي والإسلامي.
إشارة هامة:
هذه المقالة مهداه لجندي اللجان الثورية الجنوبية المجهول الأستاذ أزال الجاوي
المقالات الاقدم:
- سفير اليمن في تونس يعرب عن ارتياحه لإطلاق سراح السيدة نوران حواس - 2016/10/04
- البنك المركزي بصنعاء يرفض استقبال تبرعات المواطنين - 2016/10/04
- الإفراج عن الرهينة الفرنسية التونسية نوران حواص في اليمن بوساطة عمانية - 2016/10/04
- سلطنة عمان والكويت تقودان وساطة لوقف الحرب باليمن - 2016/10/03
- شركاء أمريكا يقعون في شركها - 2016/10/03
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127117 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26806 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26098 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20467 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17775 مرُة