سقط الانقلاب في صنعاء وعاود الظهور من حضرموت!!
عـادل أمـين
الهبة الشعبية هو مصطلح استخدمه اللقاء المشترك نهاية العام 2010 للتصدي لمحاولات الرئيس السابق إعادة فرض نفسه على السلطة عبر الاستقواء بالأغلبية البرلمانية وإقرار قانون انتخابات جديد بمعزل عن التوافق وتصفير العداد وصولا لقلعه. وفتحت الهبة الشعبية للمشترك -آنذاك-المجال أمام حركة شعبية واسعة ضد صالح، وهيئت الأجواء فيما بعد لانطلاق ثورة فبراير الشبابية السلمية مطلع العام 2011 وخروج علي صالح من السلطة. وإعادة تدوير الهبة الشعبية واستخدامها بطريقة مختلفة إلى حدا ما في تعبئة الجماهير الجنوبية في حضرموت وشبوة وغيرهما وإخراجها على هيئة ثورة شعبية جديدة في محاولة لإسقاط النظام في الجنوب ُيفصح عن أولئك القائمين على الهبة الحضرمية والمستفيدين منها، وهي ذات الأطراف السياسية التي تضررت سابقا من الهبة الشعبية لأحزاب المشترك.
الانقلاب مرة أخرى
عقب إعلان الوحدة كانت هناك فترة انتقالية مثلما حصل تماما عقب ثورة فبراير، في تلك الأثناء-بعد الوحدة-نشطت حركة الاغتيالات ضد كوادر وقيادات الحزب الاشتراكي اليمني حتى أن الحزب خسر أكثر من 150 من كوادره، والشيء نفسه يحدث اليوم حيث خسرت اليمن أكثر من 180 ضابطا من ضباط الجيش والأمن. الأزمة السياسية التي نشبت وقتذاك بين شركاء الوحدة أفضت أولا إلى توقيع وثيقة سياسية عرفت بـ (وثيقة العهد والاتفاق) وانتهت ثانيا إلى اشتعال حرب صيف 94 في الجنوب، في حين افضت ثورة فبراير إلى توقيع وثيقة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فيما اشتعلت حربا سابعة في الشمال هذه المرة وليس في الجنوب، الذي استحال تالياً إلى ساحة حرب مع القاعدة، ثم هاهوا يتهيأ الآن عبر ما يسمى بالهبة الشعبية الحضرمية للانفصال. لكن هل تشتعل الحرب مجددا في الجنوب ولذات الأسباب والذرائع التي أشعلت حرب صيف 94؟ أحد السيناريوهات المفترضة أن النظام السابق يدفع باتجاه خلق قضية وطنية ذات بعد وحدوي، وربما هذا ما يفسر ذلك الظهور المفاجئ للرئيس السابق على قناتي أزال واليمن اليوم، قبل يوم واحد فقط من الهبة الشعبية الحضرمية، ليعلن وقوفه إلى جانب الوحدة ويشن هجوما مباغتا ضد الحزب الاشتراكي وأمينه العام الذي وصمه بالانفصالي، في محاكاه شديدة التطابق لما حدث إبان حرب الانفصال حيث كان علي سالم البيض هو رمزالانفصال الذي جرى حشد الجماهير اليمنية في الشمال والجنوب ضده لكسب الحرب. اليوم يراد وضع الحزب الاشتراكي والدكتور يسين سعيد نعمان في ذات الموقف الذي وضع فيه البيض وحزبه من قبل، وتصوير ما يجري في حضرموت على أنه مكيدة مدبرة يقف الحزب ورائها ويعمل على تغذيتها لأهداف انفصالية كما حدث من سابق. وهي حركة ذكية من الزعيم تهدف، كما قلنا من سالف، إلى خلق قضية وطنية يتصدرها الزعيم وحزبه جماهيريا وتكون عنوانا للمرحلة الانتقالية الجديدة التي ستواجه الرئيس هادي وتحد من نجاحه. وبهذه الخطوة يحاول الزعيم ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة سعى للتشنيع على الاشتراكي وحشرة في زاوية الانفصال مجددا، ومن جهة ثانية، فالهبة الحضرمية (الانفصالية) هي محاولة جديدة للانقلاب على نظام الرئيس هادي واسقاطه من الجنوب بعدما فشلت محاولة اسقاطه من الشمال. فخروج حضرموت من سلطة هادي بما تمثله من مساحة جغرافية وثروات نفطية وموارد، وبما تحمله من رمزية تاريخية وسياسية وفكرية سيعد أكبر انتكاسة يتعرض لها حكمه الذي لن يطول كثيرا فيما لو حدث هذا-لا قدر الله-فحضرموت ستجرف معها بقية محافظات الجنوب لو نجح تيار الحراك الانفصالي في جرفها معه، وهو ما سيعني بداهة سقوط نظام هادي وطيّ صفحته في وقت قياسي.
الهبة الحضرمية أهداف أخرى
ثمة من يحاول ابراز ما يجري في حضرموت وكأنها حادث عرضي طبيعي ناجم عن تداعيات مقتل الشيخ سعد بن حبريش في احدى النقاط الأمنية، لكن التداعيات المثيرة والمتسارعة تقول شيئا آخر وتكشف عن استعدادات وترتيبات مسبقة تحاول الاستفادة من الحادثة وربما تواطأت فيها لذات الغرض. والدافع لقول ذلك ان ما يحدث على الساحة الحضرمية، بما في ذلك إطلاق الهبة الشعبية والتعبئة لها وصولا لعزل حضرموت عن سلطة صنعاء تمهيدا لفصلها كدولة مستقلة ليس اعتباطاًبل يجيء ضمن مشهد سياسي معقد تتصارع فيه قوى على إحراز مكاسب سياسية مستقبلية، فما يحدث يتزامن-على سبيل المثال- والاستعدادات الجارية لإنهاء آخر فصول مؤتمر الحوار الوطني متضمنا التمديد لهادي وترحيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والانتهاء من قضية شكل الدولة وعدد الأقاليم، وإعلان وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار، ما يعني بالتالي دخول اليمن مرحلة الاستقرار وبناء الدولة الجديدة، وهو ما تقاومه بشراسة قوة الثورة المضادة التي خسرت مصالحها بفعل الثورة. الأمر الآخر، يأتي تسلسل الأحداث في حضرموت وشبوة لفتح جبهة جديدة للرئيس هادي غير تلك الجبهة المشتعلة في دماج بصعده، ضمن مخطط اشعال اليمن شمالا وجنوبا للضغط عليه في مسألة التمديد، وهؤلاء الذين يقودون حملة (لا للتمديد)يضجون من أن الرئيس سيحصل على تمديد مجاني لمدة عامين دون انتخابات، بينما كانوا هم قد أعدّوا أنفسهم لها فجاء التمديد وقطع عليهم الطريق.
كما تأتي أحداث حضرموت لتكشف عن حقيقة ان النظام الجديد لم يستطع-للأسف-ملء الفراغ الذي تركه النظام القديم في المحافظات الجنوبية، وهو ما أتاح له فرصة تجميع صفوفه وترتيب أوراقه وإعادة اللعب مجددا على الساحة الجنوبية وبأكثر من ورقة، علاوة على ان حكومة الثورة تعاطت باستخفاف وسطحية شديدة مع قدرات النظام السابق ولم تبادر إلى تحجيمه، وكما قال اليدومي فإن مخلفات النظام العائلي كانت الأكثر قدرة على التحرك السريع في اتجاه تدمير الوطن.
البعد الخارجي
من زاوية أخرى، يمكن النظر إلى ما يجري في حضرموت والجنوب بصفة عامة على أنه أحد تداعيات خروج ملف القضية الجنوبية إلى أيدي بعض الأطراف الإقليمية والدولية واستخدامها في الضغط على النظام وترويضه، فطهران والرياض دخلتا بقوة على خط الحراك وتنافستا على استقطاب الكثير من قياداته، واستطاعت إيران كسب أبرز تلك القيادات مثل الرئيس السابق علي سالم البيض والقيادي حسن باعوم وآخرين، بينما تركز النفوذ السعودي بدرجة أساسية في حضرموت عبر ما سمي بالعصبة الحضرمية التي شُكلت بنظرها، وأيضاً عبر التجار الحضارم الممسكين بعصب الاقتصاد الحضرمي. بيد ان الاختراق السعودي الإيراني للحراك وتوافق الطرفان في عدائهما للثورة الشعبية وتقاطع مصالحهما في هذا الجزء المهم من العالم، ربما أسهم بطريقة أو بأخرى في خلق تحالف غير معلن بين الجانبين للعمل على زعزعة البلد وتقاسم النفوذ بداخله.
فالمملكة تريد معاقبة النظام على عدم رضوخه لإملاءاتها في ما يتصل بملفي الحدود والتنقيب عن نفط الجوف، بالإضافة إلى كونها تحاول ترويضه وسوقه أمامها لتنفيذ أجندتها المتعلقة باحتواء التيار الإسلامي الصاعد وتحجيمه، وهي المهمة التي يجد هادي صعوبة في التعاطي معها لجهة ان التيار الإسلامي (الإصلاح) شريك فاعل في الثورة وركيزة أساسية من ركائز العملية السياسية الممثلة في أحزاب المشترك، كما أنه يعاضد الرئيس في الكثير من مواقفه وبالأخص داخل مؤتمر الحوار الوطني، وبالتالي فهو لا يجد ما يسوغ فكرة التطويح به وفق السياسة العدائية للمملكة. أما إيران فتحركها أطماعها وأهدافها الاستراتيجية في اليمن، فمن جهة هي ترغب في موطئ قدم لها في الجنوب وعلى مقربة من خطوط الملاحة الدولية وباب المندب لأهداف متعلقة بصراعها ليس مع الغرب وحسب بل ومع العرب كذلك. ومن جهة ثانية تؤمل إيران في نقل تجربة التشيع إلى الأجزاء الجنوبية من اليمن لضمان لحاقه بها ودورانه في فلكها.
لكن حتى لو سلمنا جدلا بأن حضرموت يمكن ان تكون، على المدى البعيد، من حصة المملكة لجهة العلاقات الوثيقة بينها وبين الحضارم، فالدولة الحضرمية-في حال خرجت للوجود بفعل الهبة الشعبية-لن تنعم بالاستقرار بقدر ما ستخلق مزيدا من الصراعات ليس في الوسط الحضرمي وحسب بل وفي الوسط الجنوبي برمته. فالجنوبيون لن يسمحوا بذهاب حضرموت بمفردها نحو الاستقلال فيما يظلون هم يكتوون بقضيتهم ومصيرهم المجهول، أضف إلى ذلك، فإن أحدا لن يكون بوسعه الانفراد بحكم حضرموت وسوق الناس أمامه بالنظر لتفاقم الخلافات حول الزعامة والقيادة بين فصائل الحراك وفي أوساط القيادات القبلية، وسيكون الصراع على أشده بين الأجنحة الحضرمية التي تمتد حتى إلى خارج حضرموت بحكم تأثيرها سياسيا واقتصاديا على بقية المحافظات الجنوبية الأخرى, وبالتالي يبدو الذهاب صوب الاستقلال نوعا من المغامرة شديدة الخطورة ليس على الجنوب وحده بل وأبناء حضرموت أنفسهم، فتقرير مصير حضرموت بمعزل عن بقية المحافظات الجنوبية التي تبدو في حالة إرباك شديد ولا تدري إلى أين تتجه سيكون بمثابة مجازفة حقيقية ستزيد الوضع الجنوبي تعقيدا وربما تكون مقدمة لتفجر الأوضاع في أوساطه.
الأطراف الدولية من جانبها (أمريكا والاتحاد الأوروبي) حتى وإن غضت الطرف عما يجري فلن يكون بوسعها التماهي مع النزعة الانفصالية الحضرمية والجنوبية بصفة عامة، إذ هي محكومة حتى اللحظة على الأقل بالمبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن رقم 2014، 2051، وبياناته التي تنص صراحة على ضرورة الحفاظ على سلامة ووحدة أراضي اليمن، وبناء عليه فمن المتوقع ان يمثل الموقف الدولي الملاذ الآمن والحصن القوي للرئيس هادي في التعاطي الجاد مع ما يجري في حضرموت والجنوب عموما، والتصدي لأية محاولات من قبل أي طرف كان يحاول أخذهما بعيدا عن كيان الدولة. ربما هو الموقف الدولي نفسه الذي حدث إبان حرب صيف 94 سيتكرر اليوم، فالقوى الدولية لا يمكن ان تفرط بمصالحها في اليمن لحساب مصالح بعض الأطراف الإقليمية، والوحدة ما تزال بالنسبة لها تمثل أحد اهم تلك المصالح.
المقالات الاقدم:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127117 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26806 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26098 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20467 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17775 مرُة