drawas

454x140

مخاوف من تكرار مآسي الماضي...

malfآخر الحوار الحرب!

تتسارع خُطى الأحداث وإيقاعات الحرب مع اقتراب انتهاء مؤتمر الحوار, كعادة يمانية أصيلة ألفها اليمنيون نهاية وعقب جُلَّ مؤتمراتهم السابقة.. حيث ظلَّت مراكز النفوذ المتصارعة هي اللاعب الأقوى والرئيس في إدارة وتوجيه دفة المواجهة واتخاذ قرار السلم والحرب تباعاً..

فما إن أوشك مؤتمر الحوار يحط رحاله بنهاية العام المنصرم, بعد مخاض عسير جاوز الأشهر التسعة استدعى إجراء عملية رئاسية قيصيرة لإخراج مسودة ميثاق وطني جديد يفتقر لمقومات الحياة وممكنات البقاء, وقد لا يرى النور حتى.. حتى اشتدت وتيرة العنف وتعاظمت نُذر ومقدمات الحرب الطائفية والأهلية, التي إن نشبت على نطاقٍ واسع فلن تبقي وطناً أو تذر مستقبلاً لأحدٍ وأملاً لحياة..

الحوثيون يطرقون أبواب صنعاء

يدرك الحوثيون جيداً أنه لم تكن لديهم مظلمة سياسية وحقوقية بالمعنى المادي والقانوني وأن مشكلتهم لم تكن في الأساس مع منهجية ورموز النظام السابق بقدر ما تعبر عن إشكالية فكرية بنيوية شابت الفكر الشيعي الاثني عشري وتكاد تستأصل شأفته فوجوده, ليس في اليمن وإنما في أرض الجزيرة كلها, ولا سيما في العقدين الأخيرين حيث بلغت موجة المد الوهابي الأصولية ذروتها مفسحة المجال لتوغل سني متعاظم ليس في منطقة صعدة معقل أتباع الاثني عشرية في اليمن وإنما الإحلال بديلاً عن المذهبين الشافعي والزيدي الأكبر انتشاراً والأقرب تجانساً وتعايشاً في اليمن.

لذلك مثلما دخل الحوثيون في زفة الثورة الشعبية السلمية وأعينهم واحدة على ميراث النظام والأخرى على مضمار الخصوم المنافسين, كذلك فقد دخلوا الحوار وأياديهم الأولى مبسوطة للتوقيع والمصافحة والأخرى ممسكة على الزناد..

لكن المؤكد أيضاً أن الحوثيين لم يكونوا جادين في إشعال فتيل الحرب, ابتداءً من دماج وما سبقها من مواجهات بينهم وبين مناوئيهم في الجوف وحجة وإب وعمران, لولا اضطرارهم إلى خوضها تحت وطأة التعريض بفكرهم والتحريض الدعائي ضدهم.

اعتقد الحوثيون أن ثأرهم من أسرة الشيخ الأحمر لن يكلفهم الكثير؛ كون سجل أولاد الأحمر لا يخلو من هنَّات ومآخذ, والمزاج العام في حزب الاصلاح لا يميل إلى خوض حرب باسمهم, كما أن استهدافهم يكسب الحوثيين تأييد ومباركة كثير من دعاة المدنية وأنصار التغيير.

لكنهم –الحوثيون- فوجئوا في البداية بنفرة وتحشيد غير مسبوق ضدهم اصطف خلاله السلفيون والقبائل الموالية لآل الأحمر ومن خلفهم حزب الإصلاح فضلاً عن القاعدة والحركات الجهادية الأخرى المدعومة أو المجيشة من الخارج, الأمر الذي كاد يفقد الحوثيين توازنهم وسيطرتهم على الوضع داخل صعدة نفسها لولا تحولٍ غامض طرأ على مجريات الحرب أفضى إلى كسر الحوثيين للحصار المفروض عليهم في صعدة وإسقاط جبهة كتاف والتقدم في جبهات أخرى كالعصيمات وحوث وخيوان والجوف, ومؤخراً اندلعت المواجهات في أرحب وشارف الحوثيون على ضواحي العاصمة الشمالية والجنوبية فضلاً عن تواجد مناصريهم بقوة داخلها.

وتردد تواطؤ قوىً سياسية إلى جانب الحوثيين في مجابهة خطر الإخوان, وإضافة إلى عزوف قبائل حاشد عن مناصرة أبناء الأحمر الذين لا يفتقدونها سوى في الشدائد, وما تنامى من مواقف متهورة أحرجت لجان الوساطة من المشايخ ودفعت بهم إلى اتخاذ موقف الحياد, وهو ذات الخيار الذي يبدو أن السلطة الحالية والجيش يتبعانه حتى الآن.

تاريخياً عُهد عن صنعاء طوال نحو ألف سنة هي عمر الدولة الزيدية في اليمن أنها بقيت الموطئ المتاح والهدف الأيسر للإمامية نيله, ساعد على ذلك الانتشار الواسع للأتباع ( الأبناء) الذين ينتمون إلى فارس حسب روايات تحدثت عن اشتراط ملك الفرس على سيف بن ذي يزن توطين من بقي من الفرس في اليمن.. فلا غرو- إذن- أن تتطابق المسميات:

بني ضبيان.. بني حشيش.. بني بهلول.. بني سحام.. إلخ.

وما يجري هذه الأيام من استعدادات مكثفة في صنعاء للاحتفال بالمولد النبوي الشريف- على صاحبه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم- لا يعدو أن يكون استهلالة صريحة لفصلٍ إمامي جديد لصنعاء.

الإصلاح ومحسن يحاصرون القصر الرئاسي

بحزمة إجراءات وقرارات وتعيينات لبعض عناصره قرَّبته أكثر من القصر الرئاسي بذات القدر الذي باعدت عنه حليفه وخصمه التقليدي المؤتمر وقلَّصت من هيمنته المطلقة على مؤسسة الرئاسة, عمد الإصلاح ومنذ وقت مبكر من رئاسة هادي إلى المبالغة في تخويفه من سلفه صالح وأركان نظامه المتوغلين في مفاصل "الدولة العميقة".

وحيث بقي أمام إخوان اليمن التخلص من منافسيهم الألدَّاء (الحوثيين) أسندوا المهمة حسب اتهام البعض- إلى السلفيين ورجال القبائل ليكفوهم عناء مواجهتهم, لكن فشل المهمة يدفع بالإصلاح اليوم لبذل مزيدٍ من الجهد والضغط على الرئيس هادي لإقناعه بتدخل الدولة ممثلة في مؤسسة الجيش لمواجهة طموحات الحوثيين وتوسعاتهم الخطيرة ليس على الإصلاح وحده بل وعلى حكم هادي ومستقبل العملية السياسية بُرمَّتها.

ولا يستبعد وجود ثمَّة هواجس تساور قيادات عسكرية (اللواء علي محسن الأحمر وأحمد علي عبدالله صالح) لاستغلال حالة الارتباك والقلق المسيطر على الشارع من تمدُّد المواجهات إلى صنعاء, ومن ثمَّ يبدو الوقت سانحاً للقيام بانقلاب عسكري بذريعة إنقاذ اليمن.

المؤتمر وحملة إنقاذ يطلقون رصاص الرحمة على الحكومة

لم يتقبل المؤتمر منذ البداية فكرة الشراكة الفعلية في السلطة الانتقالية, وهو الذي ظل لعقودٍ متسيِّداً المشهد السياسي والساحة الوطنية, مع توجيه الدعوة بين الحين والآخر لبعض القوى السياسية لحضور الوليمة السياسية كضيوف شرفٍ في الغالب.

لذلك لم يخف المؤتمر ومنذ الوهلة الأولى لتشكيل حكومة الوفاق الوطني امتعاضه من أدائها وسلوك بعض أعضائها, وهو تذمُّرٌ يبدو وجيهاً وساهمت الحكومة ذاتها بشكلٍ أو بآخر في ترسيخه.

ومع أن حكومة الوفاق أفلتت قبل ذلك وفي أكثر من محطة من محاولات الإطاحة بها, نتيجة حالة التوافق وتمسُّك الرئيس هادي بها ودعم المجتمع الدولي لاستمرارها (حالة التوافق وليس حكومة الوفاق(.. لكنها اليوم امام تحدٍ صعب ماثلٍ في حملة "إنقاذ" التي تنظمها قوى سياسية على رأسها المؤتمر وأطياف شبابية مدنية واسعة.

ولا يخلو الأمر من رغبة رئاسية وتفاهمات سياسية وموافقة دولية لإقالة حكومة باسندوة وتشكيل حكومة إنقاذ جديدة ربما تتطلب المرحلة التأسيسية القادمة أن تكون حكومة كفاءات وطنية (تكنوقراط).

الجنوب ينصب جدار التشطير

على الرغم من رضوخ الدولة وتقبل الشعب لفكرة الثنائية الجغرافية والشراكة المتساوية في السلطة والثروة, وكذا إنجاز خطوات متقدمة في جانب المعالجات الحقوقية والإجراءات العملية لحلحلة القضية الجنوبية, فإن لا شيء في الأفق يشي بتقارب جنوبي سياسي وشعبي تجاه أي من مقاربات التسوية السياسية تحت سقف الوحدة الوطنية. بل العكس من ذلك أضحى صوت الاستقلال طاغياً على كل الأصوات الأخرى دونه, وباتت ثقافة الانفصال معتنقاً أصيلاً في وجدان غالبية الشعب الجنوبي وسلوكاً صريحاً في ممارساته الحياتية اليومية.

وتتويجاً لعديد مسيرات حراكية كبيرة تطالب بتمكين الشعب في الجنوب من تقرير مصيره جاءت الهبَّة الحضرمية بمثابة القشة التي قصمت ما تبقى من ظهر الوحدة والدولة اليمنية, على الرغم من أنّه أُريد لها في البداية أن تمثل رسالة تخويف لدعاة انفصال الجنوب, غير أنها بعد ذلك تحولت إلى موجة عنفٍ غير مسبوقة تجاه كل ماهو شمالي, واستحالت زلزالاً مرعباً امتد مداه وأثره إلى معظم مناطق الجنوب.

ولأول مرَّة حملت القبائل الحضرمية المسالمة السلاح في وجه قوات الجيش والأمن, بل وحاصرت معسكرات وقطاعات نفطية وسيطرت على مؤسسات خدمية ومواقع أمنية..

ولأول مرة يتم استهداف وتفجير أنابيب النفط بحضرموت في أكثر من عملية وفي غضون أيام..

ولأول مرَّة تفرِّط الدولة في ما تبقىَّ لها من سيادة وكرامة؛ حيث سارعت إلى تحكيم القبائل ونزلت عند شروطهم التي شرعت بالفعل في تنفيذها وأهمها سحب المعسكرات من مدن الجنوب وتسليم مقاليد الأمن وحراسة المنشآت والشركات النفطية إلى عناصر محلية من أبناء المحافظات, وهو ذات الأمر الذي تكرر في شبوه والضالع ويكاد يتم في أبين وعدن ولحج.

ورغم ذلك يستمر الحوار مع ممثلين باسم الجنوب حرصوا هم أنفسهم على الإيحاء للشارع الجنوبي بأنه في حِلٍّ من تمثيلهم وأي اتفاقٍ يتم بمعيتهم, كما أسندت أغلب المناصب القيادية العليا في الرئاسات والحكومة والجيش والأمن إلى جنوبيين أكثرهم مسيئون للوحدة ليلاً وقليلٌ منهم كافرٌ بها في وضح النهار! ومن ليس بمصدقٍ ذلك فليس عليه سوى تفحُّص المشاركين في مسيرات الحراك والمترددين على مجالس مسؤولين جنوبيين كبار هنا في صنعاء- للأسف! لقد كان بمقدور اليمن تجنب الكثير من الاستحقاقات والخسائر لو أن السلطة الانتقالية دخلت في حوار مباشر مع قادة الحراك الجنوبي وفي مقدمتهم الرئيس الجنوبي السابق والشريك الأساس في صنع الوحدة, السيد علي سالم البيض, لولا نزعات استعلائية وحسابات سياسية بليدة ومصالح فئوية وشخصية ضيقة ومنتنة.

الخارج حين يغدو قرصاناً ووصياً

تستمر الغارات الأمريكية في ملاحقة الأهداف الإرهابية التي صنعتها وتتضافر في إنتاجها السياسات الخارجية والأنشطة الاستخباراتية الأمريكية على السواء, ضاربة بحياة مئات المواطنين الأبرياء ومعهم كرامة اليمنيين وحْل التبعية المقيتة.

وكادت الهبّة الحضرمية تتسبب بتدخل عسكري غربي بزعامة فرنسا لحماية مصالحها الحيوية وشركاتها النفطية العاملة في حضرموت شرق اليمن, تماماً كما تدخلت في مالي وقبل ذلك في ساحل العاج ونيجيريا ودول أفريقية عديدة.

من جانبها تستمر إيران في إدارة صراعها العَقَدي التاريخي مع جوارها السني المسلم وعمقه الحيوي (السعودية) انطلاقاً من جبهات عدة من بينها اليمن الثغرة الأهم والأخطر والأسرع نفاذاً في الجدار السعودي. كما وتجيد مناورة الغرب بغية ضمان مصالحها الاستراتيجي في مقابل التلويح بورقة المصالح الإقليمية والدولية في اليمن.

لكن تبقى السعودية هي الفاعل الخارجي الأبرز في اليمن على مدى العقود الماضية, وتزداد وطأة التأثير السعودي في الواقع المحلي اليمني غلظة وصلافة في مثل هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها اليمن..

فلا غرو- إذن- أن نجد وزيري الإدارة المحلية والنفط يعترفان رسمياً بإجهاض سعودي لمحاولات اليمن مؤخراً التنقيب عن النفط في محافظة الجوف اليمنية.. وذلك يبدو الدافع الأبرز, إلى جانب تهرُّب الرئيس هادي من تجديد اتفاقية الحدود المبرمة مع السعودية, وراء تسريح عشرات آلاف اليمنيين العاملين في السعودية, وتفجير هبَّة شعبية في حضرموت لم يسعف الرئيس هادي لتهدئتها سوى التجائه واستنجاده بالسفير السعودي لاحتوائها فالسيطرة عليها.

كاريكاتير