drawas

454x140 صوت واضح

لسان حال المغترب اليمني: لم أكن أظن بأن رئيسي سيسمح بخفض رأسي!

almuktrbeenسافرت وعيوني على الهاتف تنام

ويفز قلبي كلما الهاتف يرن

ما سمعت صوتك يا بلادي من ايام

والقلب للغالين يشتاق ويحنّ

إي والله، ما سمعت صوتك يا بلادي من ايام، ورضي الله عنك يا راشد الماجد.. أوووه، لكن راشد الماجد سعودي، إذاً رضي عليك يا وليد الشامي، أمانة أغنية تبرد القلب!! خدي غدا صفحة ودمعاتي أقلام والليل بدموعي يغنيك ويونّ يا مسافر بقلبي وروحي والانسام، ارجع ترى من حبك لشوفتك عنّ.

والله وجبتها وَسَطْ، يا عم وليد، إندي لووووووووووووه، والله وطلعت لِكْ ريش يا السعودية وصرتي تطيري وتطردينا من بلادك، أموت واعرف ليش خرجتونا من السعودية؟ أيش الجرم الذي ارتكبناه لما ترحلونا من بلادكم؟! دخلنا بطريقة شرعية ورسمية، وقطعنا (فِيز عمل) دفعنا فيها ما فوقنا وما تحتنا.. ما نفعل، نشتي نطلب الله على بطوننا وعيالنا، نشتي رزق حلال؛ يعني لا نمشي يمنة ولا يسرة وما شيين دغري (يعني سِيدَهْ) باللهجة السعودية.. لكن ما بش فايدة.. السعودية حاقدة على اليمنيين جميعاً، وكلما حدثت مشكلة سياسية ترجع فوق المغتربين اليمنيين، وهات يا ظلم وتعسف وانتهاكات..

عاد أقول لكم قصتي باختصار: قبل ثلاث سنة تقريباً، شفت الأمور في بلادنا معجونة عجين، وكل يوم والأوضاع تتدهور أكثر، طلعت في رأسي فكرة الهجرة والاغتراب في السعودية، وفعلاً قررت أنا وبعض اصحابي نسافر السعودية تهريب، ونزلنا إلى حرض واستقبلنا أحد المهربين، الذي أوصلنا إلى صديقه، وصديقه أوصلنا إلى صديقه، و"جرّ منه ناوله، والشقى من باوله" المهم وصلّونا إلى جده، بعد أسبوعين من التعب والمشي، وحين وصلنا، ندعت لك رقدة (نوم) يا حجاب الله حجاب، قادوه بحق التعب والبهذلة، ولما قمت قلت لصحابي يسلفني ثوب من حقه النظاف علشان ما حد يعرفني، ويزيد يدّي لي صماطة حمراء، وخرجت السوق اطلب الله، وكنا نشتغل يوم أو يومين، ونتخبّى أسبوع عشرة أيام.. وهكذا مثلما كان المسلمين الأولين في قريش في بداية الاسلام!

وبعد ثلاثة أشهر مسكوني الجوازات، ورحلوني إلى حرض، وأنا رجعت من حرض على عطف تهريب إلى السعودية، واشتغلت فيها سبعة شهور، ثم مسكوني مرة ثانية، ووقع لي منهم رزق المقسوم (دكم وزبط ولطم وسبّ وإهانات بلا حدود).

وبعدها قلت في نفسي: ما لها إلا فيزة، من أجل نشتغل براحتنا، رجعت تدينت من بعض الأصدقاء وأخذت ذهب زوجتي وأمها على أن أرجّع لها قيمته بعدما أرجع من الغربة، واشتريت فيزة بـ13 ألف سعودي من دون حق المعاملة في صنعاء وفي السعودية.. وكلّها ديون فوق ظهري، أيوه ديون، هذه السعودية مش لعبة، وأي واحد يشتي يروح لها حتى حج أو عمره اتحداه ما يتدين من الناس..

المهم وصلت السعودية، بس الكفيل مكّنا ضحكة، وبدل ما يشغلني عنده قلّي: روح شوف لك عمل، ويوقع لي رزق المقسوم منّك، مطلع منزل، ودفع الله البلاء!!. أنا على نيتي، رحت أشوف لي عمل، وبعد كود (وسيره وجيّة) حصلت عمل، مباشر في مطعم، يعني عند واحد غير الكفيل، وعاد انا إلا توضّعت في البقعة، وصلّيت على رسول الله، وقاضيت شوية من الديون الذي عليّا، وفجأة الإ ونزل قرار تصحيح الوضع، رحت إلى عند كفيلي، وقلت له: هيا كييييييييييف؟ الناس قالوا ما بلّا نصحح الوضع ونشتغل عندكم؟ وهو مكنني ضحكة، يضحك عليّا ههههههههههههههه وقال لي: مين المجنون اللي قلّك إن عندي عمل؟!!

قلت له: فأنت ادّيتني لا هانا عشان اشتغل عندك، والفيزا حقي باسمك واسم الشركة حقك ولا عد تنكر!

- أيوه أنكر ونص وثلاث ارباع، رووح يا ابو يمن، أنت كذاب ومحتال!!

- أيش أيش، أنا محتال، وهذي الشركة المكتوبةفي الفيزا حق من؟؟

- شوف يا ابو يمن، أنا لا اعرفك ولا عمري اديت كفالة لليمنيين.. انقلع من وجهي، روح شوف لك كفيل وانقل عليه، وإلا والله أبلّغ عنك الجوازات واخليهم يسحبون عليك الفيزا!!!!

هذا كان خلاصة الحوار بيني وبين كفيلي ، وفي الأخير اتضح لي أن بعض السعوديين يعملوا شركات وهمية من مكتب العمل، ويطلبوا عمالة من اليمنيين أو الجنسيات الأخرى، ولما يوصلوا يقولوا لهم روحوا اشتغلوا، وادّوا لنا فلوس حق الكفالة، يلّا انتشروا زي العفاريت (يعني ساع الجن) وكل واحد يروح يطلب الله!! تخيلوا أن أكثر من 50 ألف شركة أغلقت بعد الحملة الأخيرة.. أغلبها شركات وهمية!! وإن تسعمائة وتسعة وتسعين عامل رحّلوهم، وطبعاً أنا توفية المليون هههههههههههههه!!

وعلى العموم كما قال علي ولد زايد: "عزّ القبيلي بلاده ولو تجرع وباها" فنحن أقتنعنا أخيراً بأن بلادنا أخرج لنا من الخارج، خاصة بعدما حدث التغيير وقامت ثورة الشباب، ولهذا كنت أتوقع أن الكل يستقبلونا في حرض، وعلى رأسهم الرئيس أو الحكومة، أو حتى صاحب البلاد يحيى الراعي، بس تفاجأت ولا حتى عضو مجلس محلي يستقبلنا.. متنا جوع.. متنا عطش.. متنا حُمّى ولا حد انقذنا، يا ساتر استر، ما عدا الحوثيين خرجوا يسقبلونا بالباصات، وعرضوا علينا عروض مغرية علشان نروح معاهم صعدة نحارب اسرائيل وأمريكا؛ فقلت لهم: قبل أن نحارب إسرائيل وأمريكا أول شيء نطالب السعودية بإرجاع حدودنا، قالوا: ماشي، ما بلا تعال معانا إلى دماج، فقلت لهم: إذهبوا أنتوا وسيدكم فقاتلوا إنا هاهنا قاعدون، ومسكت ولد خالي معي.

كنا نصيح بأعلى صوتنا ولا أحد سمعنا!! يا حكومة.. يا برلمان.. يا رئاسة، عيب عليكم، استحوا على أنفسكم وتعالوا خارجونا من هانا.. أقل حاجة إدّوا لنا باصات تنقلنا للبيوت. أما هكذا ما يصلحش، طفحنا حُمّى ونامس وعطش وشمس وريح وبرد، قلّك يتبرعوا لنا مجلس النواب بعشرة مليون ريال!! يعني من خمسين ريال لكل مغترب!! أيش نفعل بها قلدكم الله.. هذا إذا أدوهاهاهاهاها..

لكن بيني وبينكم عاد البرلمان أخرج من الخكومة، لأن البرلمان تبرع من جيبه، أما الحكومة فقد طلعت أضرط من أخيها عز الدين، وقامت تتبرع بحق غيرها وتخصم قسط يوم على كل موظف!! " وعاري قفز فوق مخلوس"

الله لا وفقكم يا حكومة الوفاق، ليش ما تبرعتم بمرتب شهر من حقكم الاعتمادات والسفريات وتدّوها لنا نخارج أنفسنا ونروح بيوتنا. ولا تشتونا نروح عند الحوثيين ونرجع نحاربكم ونقتلكم في كل زغط، إذا تشتوا هذا عادي با نروح ذلحين ونحب يد السيد، ونقول له: سمعاً وطاعة.

أما وزير المغتربين بيصرف تصريحات بالمجان، وكلها وعودات "سوف وسوف وسوف..) الله يصيبك يا مجاهد القهالي، عاد كنت من أول رجال وطني وصادق، من هو الذي مسخك علينا؟!

حتى الجمعيات الخيرية والمنظمات الحقوقية بيشتغلين قرعة على حساب المغتربين، وكلهم يطالبوا بالتبرعات لصالح إخوانهم المغتربين، ولا شفنا ريال واحد.. يعني نفس التبرعات اللي كانوا يقولوا بأنها لإخوانهم في فلسطين..

المهم، ومن شدة الجوع والعطش، قلت يمكن قادهي ساعة الموت، تحسست جيوبي، فلم أجد غير ورقة وقلم، فقلت في نفسي، من الأفضل أكتب ذكرياتي ووصيتي الأخيرة وأرسلها لصحيفة اليقين، وبدأت أكتب هذه العبارات:

حين كنت طفلاً صغيراً كان والدي المغترب يقضي معظم العمر في بلد الاغتراب (السعودية)، لم نكن نراه سوى شهراً أو أقل كل عام أو يزيد، وحين كنت أسأله عن المانع من بقائه معنا، كان يجيب: يا ولدي أنا أتحمل عناء الغربة من أجل ألا تضطر أنت للاغتراب في المستقبل!! أريدك أن تكون رجال تتعلم وتتوظف وتعيش في بلدك مرفوع الرأس.

لم أكن أدرك معنى قوله (مرفوع الرأس)، ولذلك كنت أتفاخر بين زملائي بأن أبي مغترب ويوفر لي كل ما أحتاجه.. لم أكن أعلم بأن موت أبي سيجعلني محتاجاً للاغتراب وترك المقعد الدراسي..

لقد ورثت الغربة عن والدي، وهناك في الغربة عرفت معنى قوله (مرفوع الرأس).. عرفت معنى أن يكون لك رأساً لا تستطيع أن ترفعه أو أن يرفعك.. تعلمت أبجديات (الطأطأة) من حضرة الكفيل الطاغية.. أكتسبت قيم الخنوع والخضوع في شوارع الشقيقة الكبرى..

فقدت والدي وفقدت تعليمي وطفولتي وفقدت حق البقاء مع أسرتي وأهلي، لكن لم أكن أتوقع أنني سأفقد كرامتي وكرامة وطني بهذه الصورة المقززة.. لم أكن أظن بأن رئيسي سيسمح بخفض رأسي إلى ذلك الحد المذلّ.. لم أكن أتخيل بأنني يوماً سأفكر مجرد تفكير بالتخلي عن هويتي المهانة.. وأن أتمنى بأنني لست يمنياً!!

وبعدها بكيت ورقدت!

كاريكاتير