drawas

454x140 صوت واضح

محمد سالم باسندوة.. ذاكرة فبراير

 644303 409131792518609 1883867114 nسيحفظ التاريخ للأجيال أن كهلا من الحميريين بكى كطفل فقد أمَّه حين افتقد اليمن أو حين وجدها على حافة الهاوية

وستقف الأجيال تعظيما له ولدموعه التي لم تكن كل اللغات قادرة على التعبير عن انتمائه لبلده وانخراطه في أوجاعها أكثر منها بلاغة وفصاحة.

ستقف تعظيما لدموعه التي كانت ترى القبح المحيط بثورتنا والذي انكشفت عوراته عقب الانقلاب ونكبة 21 سبتمبر حين تقرأ موسوعة الإجرام الحوثي ودعاة الحق الإلهي في الحكم فذبحت الأطفال والشيوخ لأجل غرورها اللعين ودمرت كل مقومات الحياة.

إنه محمد سالم باسندوة

....

لا يحب العمل في الظلام لذلك أسس صحيفة النور ولا يجيد الكذب ولذلك أسس صحيفة الحقيقة

هاتان الصحيفتان أغلقتهما سلطات الاحتلال البريطاني في عدن ، أسسهما المناضل الشاب في الستينات محمد سالم باسندوة.

اعتقلته السلطات البريطانية أكثر من مرة وفي الأخير قررت إبعاده من سلطنات الجنوب الواقعة تحت سيطرتها فقرر أن يظل قريبا وانتقل إلى الشمال ليظل في قلب الحدث.

ذاكرتي هذه سيرة لشخصيات فبراير لذلك فلن أخوض كثيرا في تفاصيل سيرة باسندوة وتاريخه الحاضر في كل تفاصيل النضال من خمسينات القرن الماضي بل انتهاء بثورة فبراير.

قالوا عليه الرجل الضعيف..

وصاحب سيرة كباسندوة لا يمكن أن يكون ضعيفاً بل حكيما بأبهى ما تتجلى الحكمة.

هو المستشار السياسي للرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي وهو قائد إحدى مجموعتين للعمل الفدائي في مقاومة الاحتلال البريطاني في عدن.

عاصر فترة حكم صالح بكل تفاصيلها

في الثمانينات طلب إعفاءه من منصبه في الحكومة وكأنه فقد كل أمل واكتشف انه غريب في سلطة فاسدة تتغول في الفساد كلما طال أمدها ولم يكن له يد في دفع فسادها وتغولها الا الاستقالة

عاد بعد انجاز الوحدة إلى الظهور على أساس ان الوحدة ستفتح طريقا جديدا الى الدولة التي يؤمن بها دولة سيادة القانون ودولة المؤسسات الدستورية ليكتشف أن الوحدة الشعبية التي كانت عنوان نضال اليمنيين في شطري اليمن باتت مثار جدل بسبب ممارسات النظام المتسلط الذي ذهب بعد عام 94 يعبث بكل مقدرات الدولة وثروات الشعب في الشمال والجنوب

ومع ميلاد اللقاء المشترك الذي ولد في اللحظة المناسبة والحرجة ليقول لصالح وشبكة محسوبيته الفاسدة توقفوا !!

كان باسندوة اقرب الى هذا التكتل وانضم إليه بشخصيته المستقلة التي كانت بمثابة اجماع ومرجعية

ترأس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وللأنصاف أيضا فقد تمكن اللقاء المشترك من إرغام صالح أن يعيد حساباته الف مرة وأدرك أن عهد تفريخ الكيانات وإدارة الدولة بالأزمات بات من الصعب أن ينجيه من غضبة الشعب ، الذي اصبح باسندوه لسان حاله من خلال اللقاء المشترك واللجنة الوطنية.

وكانت ثورة فبراير في العام 2011 حيث انخرط فيها اللقاء المشترك وللإنصاف كان احد مقدماتها الاساسية

وكان محمد سالم باسندوه هو شخصية الإجماع والقبول التي قدمها المشترك الى ساحة الثورة فترأس المجلس الوطني لقوى الثورة وترأس حكومة الوفاق حتى العام 2014

ويبقى الحديث عقيما وممجوجا عن فشل تلك الحكومة ما لم يتزامن الحديث عن ظروفها الاستثنائية التي تشكلت في ضوئها تلك الحكومة والتي لم يكن ينتظر منها غير الفشل الذريع مع سبق الإصرار والترصد ولست بصدد الخوض في هذا.

لكن باسندوة ترأس أول حكومة مدنية لم تقمع في ظلها تظاهرة واحدة رغم الظروف المصاحبة بينما ارتفع الاحتياطي النقدي للبلد وفي عهده تم استيعاب نحو 100 ألف من الشباب في الحكومة في جهازيها المدني والعسكري

تعرض للاغتيال أكثر من مرة ولم يأبه لذلك حاول وهو الخبير بتعقيدات الحالة اليمنية ان يجنب ىالبلد الصراع ويعبر نحو الدولة لكنه اصطدم بالخذلان تارة وبالتآمر تارتين!

تربص به خصوم الثورة وأعاقه رفاق الدرب من خلال نظرة قاصرة انحصرت الثورة لديهم في كثير من الاحيان بوظيفة لفلان وعلان من الناس.

هُدد أكثر من مرة أن حكومته ستضرب بيد من حديد ’ كل من يتعرض للمصالح الوطنية ، وستعمل على كشف الفساد المستشري وفتح الملفات التي يسعى البعض لعدم فتحها ’.

وأشار كثيرا إلى أن من الملفات التي ستخضع للكشف ملف ‘ الصفقات المشبوهة التي حرمت اليمنيين من الاستفادة من ثرواتهم النفطية والغازية ’.

كانت هذه التهديدات ليست لنظام صالح وشبكاته المتبقية معه وحسب، بل لشبكات أخرى لبست جلد الثورة وأرادت إقفال ملفات فساد النفط والوظائف.

بكى أمام الكاميرات وهو يجد نفسه عاجز عن حلحلة الصخرة من باب الكهف

استقبلته أنا ومجموعة من الشباب في شارع الحرية أثناء قدومه إلى ساحة التغيير لزيارة الأستاذة توكل كرمان وتقديم التهنئة بحصولها على جائزة نوبل للسلام.

تحدث يومها حتى أوشك على البكاء قال لنا يومها هذه ثورتكم وانتم من سيحافظ عليها

وصلتنا رسالته الموجعة يومها ، وخفضنا سقف الأمل بحكومة الوفاق وازددنا حبا وتقديرا لشخصه

قدم استقالته أكثر من مرة وكان الوفاق اللعين يقف حجر عثرة أمام استقالته ليستمر النزيف من قلب وعين هذا الرجل وهو يخوض صراع الخصوم والرفاق معا.

وفي الأخير قدم استقالته التي تعتبر وثيقة من وثائق النضال اليمني من خلال هذا الرجل الكبير الكبير

ذكر بأن قبوله بمنصب رئيس الحكومة كان على مضض وانه لم يكن طمعا في الحصول على مكاسب مالية، أو في اكتساب جاه أو شهرة.. مشيراً إلى ان قبوله كان بدافع الرغبة في خدمة الوطن والمساهمة في انتشاله من براثن الازمات التي كانت تهدد أمنه وسلامته، وفي بناء دولة مدنية حديثة وناهضة.

وأوضح في أنه لم يكن له دور في اختيار أعضاء الحكومة رغم نصوص المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية المزمنة اللتان نصتا على الشراكة بينه وبين الرئيس هادي في قيادة الدولة..

تحدث عن الأوضاع العسكرية، والأمنية، والعلاقات الخارجية لليمن مع الدول الاخرى.

وان الجيش والامن خارج عمل الحكومة وهو المطب الاكبر لتلك الحكومة والتي تمكن صالح ونظامه من تشويهها محاولا إيصال الشارع الى الثناء على عهده السيئ باظهاره للأسوأ عبر حكومة الوفاق التي ظل إعلامه ينسبها كاملة للثورة وسط إعلام ثوري متواضع وباهت اللون مشتت الهدف.

استقال باسندوه وذمته المالية أنقى من النقاء وتحدى خصومه الملوثين بابتزاز المال العام أن يبرؤوا أنفسهم من تلوثهم أو أن يدينوه.

وبالفعل تتابعت الأحداث مرارا لتثبت نظافة هذا المسن إلى حد لا يمكن إلا أن يلقيه إلا في مصاف العظام

انحاز دوما للدولة المدنية وتحمل كل النقد وخرجت المسيرات مطالبة باستقالة حكومته فكان مباركا لها ولخروجها ليقدم درسا في الدولة المدنية التي تكفل حق التظاهر والتعبير.

هو اول رئيس حكومة صرخنا في وجهه في مؤتمر حقوق الإنسان فتقبل الأمر بصدر رحب وأرشدنا يومها الى خصمنا الحقيقي وهو صالح ودولته العميقة ،ربما لم نستوعب الدرس الا متأخرا لكنه كان يلقي علينا درسا اخرا وهو ان التظاهر والتعبير عن الرأي حق مكفول للجميع وهذا الدرس استوعببناع وعمل به بعد عامين طلاب مدرسة ثانوية الكويت وفي أكثر من واقعة أخرى أمام رئيس العصابة الحوثية.

السلام على محمد سالم باسندوة وعلى تاريخه العريق والطويل

وأتمنى أن أقرأ شهادة هذا العظيم العملاق في سيرة ذاتية يكتبها عن نفسه ومراحل اليمن المختلفة التي عايشها واحمله هذا الواجب فهو الشاهد الأبرز على ثورات سبتمبر وأكتوبر ومايو وفبراير.

باسندوة

كاريكاتير