ذات يوم من العام الماضي استنكر حسين الأحمر على قبيلة "ذو قنة" : وصرخ في وجه بعضهم –حسب رواية أحدهم: أنتم الإصلاح والحوثي تتحاربوا في بلادنا. يومها كان حسين والحوثي صديقين، أو كان كل منهما يظاهر الآخر بالصداقة، لا فرق. ويومها كان حسين الأحمر يميل إلى إشاعة منطق الحوثي في أن الحروب التي تندلع هناك تباعاً ليست إلا حروب الحوثي والإصلاح. وذلك من حسين الأحمر هو منطق الخفة وسوء تقدير الأمور والنظر إلى الحروب كما لو أنها مناورات سياسية في قاعة من قاعات الحوار، أو طارود من طواريد البنوك التي يتلقون إليها التحويلات من الخارج.
واليوم، وقد فتح الحوثي جبهة في اتجاه حاشد، فلربما أن هناك من أبناء القبائل المحاذية لحاشد من أنكر على حسين الأحمر حربهم مع الحوثي، أو من سينكر عليهم الحرب على نحو ما فعل هو مع "ذو قنة"، وأن هناك قال له أو سيقول له: أنتم حاشد والحوثي تتحاربوا في بلادنا.
وهكذا، لا تسقط قبيلة من قبائل الشمال المعروفة بشدتها وبسالتها في قبضة الحوثي إلا بعد أن تكون قد سقطت –أولا- في هذا المنطق وطريقة التفكير.
لا أتحرج إن قلت إن الحوثي هناك هو الطرف الأضعف لأنه وحده إلا من قلة من الحلفاء، فيما معظم قبائل تلك المناطق وما يليها باتجاه عمق الخريطة طرف بالمقابل، ولكنه وجدهم قبائل متناثرة من فوقهم سلطة متنازعة، فاستقوى عليهم بفرقتهم لا بوحدته، وبضعفهم جراء شتاتهم لا بقوته، فتحقق فيهم قول البردوني:
ما كان جبارا هواك
إنما قوّاهُ ضعفي
منذ أول حروب الحوثي مع القبائل والإعلام التابع له بشكل غير مباشر يضع حاشد لافتة من اللافتات التي يشن الحوثي حروبه عليها، رامياً من وراء ذلك إلى استمالة قبائل بكيل إلى صفه، أو تحييدها على الأقل، مستفيدا من التنافس التاريخي بين القبيلتين، وله من وراء ذلك أهداف أخرى، إلا أن حروبه كانت على امتداد تلك السنوات ضد قبائل حمير وبكيل، وفي مقدمتها قبائل خولان بن عامر، ولا يسثنى من ذلك إلا معركتين خاضهما مع حاشد من وراء ستار الخلاف والثأر القبلي بين "قفلة عذر" و"العصيمات"، وحسب متابعتي فالحوثي لم يطلق خلال كل هذه الفترة وحتى يومنا هذا تصريحا واحدا يقول فيه إنه يخوض حربا مع حاشد.
ورغم احتدام المعارك هناك بين الفينة والأخرى، إلا أن الأمر في تصوري لا يعدو أن يكون تكتيكا من قبل الحوثي الهدف منه هو حفر بؤرة من الصراع أو إذكاء جذوة من جمر الثأر تكون صالحة ليوقد منها النار مستقبلا، أما الآن فهو لا يريد من حربه مع حاشد أكثر من تحقيق شيء من الدعاية التي لا يزال يضخها بشكل غير مباشر منذ سنوات، وتلبية لطلب بعض الحلفاء أو الممولين، ولصرف الرأي العام عن حروبه بالاتجاهات الأخرى التي يشنها على المستضعفين، تبعا لكون الناس ينظرون لحربه مع حاشد بمنظار مختلف عن المنظار الذي يتابعون به سائر حروبه، وكأن كثيرا من الناس سئموا تلك الحروب ومآسيها وأصبحوا يتوقون لمشاهدة النزال بين البطلين في الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الدرامي.
ما يعرفه الحوثي عن حاشد
هو الآن يناور حاشد لا يقاتلها، أو على الأقل لا يريد أن يدخل معها في حرب مفتوحة، ويريد أن يقتصر الأمر على حدود المنطقة التي يدور فيها الصراع حاليا، لأنه يعرف أن حاشد ليست تلك القبيلة المحدودة في منطقتها الجغرافية، بل هي ثقل اجتماعي وشريط قبلي انتظم خلال عقود طويلة وفق اتفاقيات التحالف القبلي من أقصى مأرب في المشرق إلى أقصى حجة في المغرب، فضلا عن المحيط في اتجاه العمق، وأمامها فوق ذلك فرصة للتحالف مع قبائل أخرى في عمق المنطقة الواقعة تحت سيطرة الحوثي، أو المناطق القبيلة الواقعة خلفها لأن كل قبيلة من هذه القبائل تعرف أنها ستكون الهدف التالي للحوثي.
وعلى هذا الأساس فالمنطق العسكري يشير على الحوثي أن يتحاشى الرأس ويتجه يمينا ويسارا ليبدأ بقصقصة أجنحة وأطراف هذا التحالف حتى لا يصل إلى حاشد إلا وهي بضعة آلاف على بضعة كيلو مترات مربعة، وهذا أمر يتطلب وقتا طويلا، ويتطلب –إضافة إلى الوقت- أن تسير مجريات الأحداث في قادم الأيام على نحو ما يريد.
وإلى ذلك، فهناك ممولون لحملته من الخارج يغدقون عليه السمن ليسمن، ولكنهم لا يريدونه أن يكبر ويتمدد إلى حد الوصول إلى صنعاء الذي لن يحدث أصلا إلا بإسقاط حاشد ومن ثم الحزام القبلي للعاصمة.
وجميع هذه الأسباب تشي بما يعتمل في داخل الحوثي من القلق والخوف من أن تخرج الأمور من تحت سيطرته وتتوسع دائرة الحرب، ويعود يدافع عن معقله في صعدة بدلا من أن التفكير في صنعاء، وأنه في هذه الحرب كمن يصوب رميته بالبازوكا وهو على غير الوضعية الصحيحة، فيخطئ الهدف برميته، ويصهر غاز البازوكا جسمه.
الإعلام الحليف واستراتيجية التهويل من شأن الحوثي
ويستند الحوثي على الإعلام المحترف التابع لعلي صالح وشبكة المراسلين لبعض وسائل الإعلام الخارجية التي تظهر هذه الأيام حرصا على التهويل من شأنه وإظهاره قوة عسكرية لا تقهر بما لديه من خبرة وبما حاز من أسلحة في الحروب وما تلقاه من هدايا من الحرس الجمهوري خلال العامين الماضين، وهو الطرح الإعلامي الرامي إلى إرضاخ الرأي العام الداخلي له، وإلى تقديمه بصورة جيدة أمام الممولين من الخارج، ولتعزيز موقفه في الحوار بما يضمن له بعد مؤتمر الحوار حصة أعلى في الحكومة القادمة وما سيتفق عليه من مؤسسات الدولة التشريعية وغيرها.
ولا يزال هذا الإعلام يصور الحوثي وقبائل الشمال كما لو أنه جرافة وأنهم أكوام من القش وأنه يكفيه أن يمر عليهم في ساعة من الليل فلا يأتي الصبح إلا وقد ركمهم على مشارف صنعاء ليخوض هناك معركته الفاصلة.
وقد اجتمع له -فوق ذلك- شيء من إعلام الطرف الآخر الذي يسعى في كثير من الأحيان إلى متابعة اعتداءات الحوثي وحروبه، والتهويل –أحيانا- لشأنه، بهدف إثارة المخاوف من الحوثي لدى الرئيس والرأي العام المحلي ودول العالم الكبرى التي تريده أن يكبر ويتمدد في دولة بشمال الشمال لا أن يتربع حاكما على صنعاء، تبعا لمخاوفها مما سيعنيه ذلك –قطعا- من فوضى وحرب واسعة.
وهذا الازدواج أو تقاطع الأهداف الإعلامية للطرفين يتجلى بوضوح في عنوان واحد حملته جريدة "السياسة" الكويتية قبل نحو أسبوعين جاء يقول: "مستشار الرئيس: الحوثيون على تخوم صنعاء...". وكأن صانع العنوان للجريدة كان يريد من عنوانه أن ينصب في ذات مصب إعلام صالح الحليف للحوثي والذي يريد –كما سبق الإشارة- إرضاخ الرأي العام الداخلي والخارجي للحوثي وتقديمه كقوة عظمى، فيما كان "مستشار الرئيس" يريد أن يصب هذه العبارة الواردة على لسانه في مصب إعلام الطرف الآخر الذي يريد تأليب الرأي العام الداخلي والخارجي على الحوثي. ومستشار الرئيس صاحب العبارة هو فارس السقاف المعروف بمواقفه القوية الرافضة للحوثية، وإن كان صوته قد خبا هذه المرة قياسا بالمعهود عنه، تبعا –فيما يبدو- لما يتردد من أخبار عن دعم سعودي خفي للحوثي.
وهكذا يستفيد الحوثي من إعلام حلفائه وخصومه في هذه النقطة، فيما الحقيقة أن حرب القبائل ليست كالحرب ضد جهة نظامية، ولو كان قتال القبائل كقتال جبهة نظامية فإن بإمكانه أن يبلغ مناطق بعيدة بالستة وثلاثين دبابة التي حاز بعضها من حربه مع السعودية ومع الجيش في الست الحروب، وبعضها الآخر أهدي إليه من الحرس الجمهوري خلال العامين الماضيين.
حرب محدودة الزمان والمكان
يتجه صوب الجوف، ويفتح هنا وهناك بؤرا ليست في الحقيقة أكثر من بؤر إعلامية رغم ما تخلفه من دم، ورغم أن الدم قليله كثير. وما يفعله مع حاشد ليس أكثر من تكتيك وعمل عسكري المكان والزمان، فيما حربه الحقيقية معها مؤجلة أو ربما ملغاة، وذلك بحسب ما ستحدده الفترة القادمة التي لن تكون مجرد أشهر.
المقالات الاقدم:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127116 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26806 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26098 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20467 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17775 مرُة