• يناير
- إله البوابات عند الرومان وإله البدايات عند اليونان... في أول يوم من هذا الشهر يولد اليمنيون جميعاً وتتأخر فيه مرتبات الموظفين بمبرر حكومي سمج يقول بأنه الشهر الأول من السنة المالية الجديدة.
يناير مثخن الذاكرة كثيراً في هذه البلاد.. ففي يومه الثالث عشر من العام 1986م ذبح الرفاق في عدن بعضهم بعض بقسوة وبلا رحمة وبأسوأ أسلحة المناطقية والهويات الضيقة.. سقط آلاف اليمنيين بين قتيل وجريح في أقل من ثلاثة أيام شهدت صراعاً دموياً عنيفاً بين طغمة عبدالفتاح وزمرة علي ناصر، بدأ في مبنى اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ولم ينته إلا بخروج علي ناصر ومن معه إلى الشمال (سابقاً) كطرف مهزوم، وخروج عبدالفتاح وأهم الرموز من رفاقه من الدنيا برمتها، وإن اعتبر رفاقه هم الطرف المنتصر.
لقد مثلت أحداث 13 يناير المشهد الـما قبل الأخير من مسرحية الاشتراكية العلمية في اليمن.. كانت هي بداية النهاية بالفعل. انتهت رئاسة علي ناصر محمد في الجنوب حزباً وحكومة في تلك الأحداث وقاد علي سالم البيض الحزب الاشتراكي من بعده وتقلد حيدر العطاس منصب رئاسة الدولة وهو منصب شرفي لا أكثر.
- في اليوم الثالث والعشرين من يناير من العام 1967م وصل ملك المملكة العربية السعودية سعود بن عبدالعزيز وبرفقة المشير عبد الحكيم عامر إلى صنعاء في أول زيارة لمسؤول سعودي كبير منذ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962م.. اعترف الملك سعود بالنظام الجمهوري غير أنه اعتراف شخصي لا أكثر، فقد خُلع من حكم السعودية من قبل أخيه فيصل وتوجه لا حقاً إلى القاهرة ليقوم بدور مشاكس لخلفه فيصل لبعض الوقت والذي لم يستمر طويلاً.
- في ليلة النصف من يناير من العام 2011م هتفت حناجر مجموعة من طلاب جامعة صنعاء بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح وكانت هي الليلة الأولى فعلاً من الليالي الأخيرة لحكمه.. بعد عام وفي الـ(21) من يناير 2012م صوّت مجلس النواب بالإجماع (تقريباً) بالموافقة على قانون الحصانة والذي بموجبه منح صالح كل من عمل معه طوال فترة حكمه (بمن فيهم معارضيه الآن) الحصانة من أي ملاحقة قانونية أو قضائية.. أُقر القانون وفقاً لما نصت عليه المبادرة الخليجية والتي وقعت عليها الأطراف السياسية سابقاً كحل للخروج من الأزمة/الثورة التي مرت بها البلاد... كان ذلك اليوم –يوم إقرار قانون الحصانة- هو اليوم الأخير فعلياً من أيام ثورة الشباب السلمية!
//////////////
• فبراير
- وكان آخر الشهور لدى الرومان ويعني (التطهير).. وبالمناسبة فإن يوم الثامن هذا الشهر من العام 1968م قد شهد تطهير صنعاء وفك الحصار الملكي عنها بعد أكثر من شهرين من الحصار المطبق والخانق.. كان فك الحصار هو بداية النهاية لحلم الملكيين ومحاولاتهم لاستعادة الحكم.
- في فبراير 1977م وقّع الرئيسان إبراهيم الحمدي وسالم ربيّع علي على اتفاقية وحدوية جديدة عُرفت بـ(اتفاقية قعطبة) وهي الاتفاقية التي صنعت نقلة نوعية وهامة في طريق إعادة الوحدة بين الشطرين وشكلت بنودها خارطة طريق حقيقية وواقعية في اتجاه تحقيق ذلك الحلم.. وهي أيضاً الاتفاقية التي سرّعت في اتخاذ القوى الإقليمية وأذيالها في الداخل لقرارات التخلص من الزعيمين، وهو ما حدث فعلاً وبعد مضي شهور قليلة ليس إلا.
- مثّل اعلان تأسيس تكتل أحزاب اللقاء المشترك في السادس من فبراير عام 2003م خطوة استثنائية في درب التعددية السياسية في اليمن واستثنائية أيضتاً من حيث الجدّة والجدية والتجدد والتجديد والسبق والإبداع، ليس على مستوى التاريخ اليمني فقط، بل وعلى المستوى العربي بشكلٍ عام.. حيث اتفقت عدداً من أحزاب المعارضة على تشكيل مجلس أعلى للتنسيق فيما بينها على صعيد مواجهة السلطة وحزبها الحاكم، ووضعت لذلك قاعدة انطلاق موحدة وواسعة ومتنوعة وقوية أعادت للمعارضة جزءاً من حقيقة دورها السياسي في النضال.
إبداعية المشترك تجلت في اجتماع عدد من الأحزاب ذات العقائد السياسية المختلفة على أرضية عمل مشتركة، فتلاقى الإسلامي مع اليساري مع القومي مع الليبرالي في تكتل سياسي موحد.. وهذا ما لم يحدث من قبل... كان الرمز الاشتراكي الشهيد جار الله عمر أ[رز مهندسي وصنّاع هذا التكتل، كما وكان أول من دفع ثمن ذلك التقارب حين تم اغتياله في مؤتمر حزبي لتجمع الإصلاح في 28/12/2002م.
- يعتبر يوم الـ(11) من فبراير من كل عام يوم إجازة رسمية بمناسبة ذكرى ثورة التغيير، وذلك وفقاً لقرار جمهوري صدر وأقر بذلك.. في مثل هذا اليوم من العام 20011م تم نصب أول خيمة اعتصام ثورية في ساحة الحرية بتعز للمطالبة بإسقاط النظام، والذي بالفعل سقط رأسه في يوم 21 فبراير 2012م حين انتخبت الملايين من اليمنيين نائب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية خلفاً لعلي عبدالله صالح –كرئيس توافقي أنتجته المبادرة الخليجية وسوّقته آليتها وتوافقت عليه الأحزاب السياسية- رئيساً لمدة عامين يمثلان الفترة الانتقالية.. رئيساً لتنفيذ مهمات محددة بتلك المبادرة والتي قيل حينها بأنه خارطة طريق لتحقيق أهداف ثورة التغيير بشكل سلمي ومتدرج.. هذا ما قالته أحزاب المشترك، أما ما قاله حزب المؤتمر عن المبادرة فليس أكثر من اتفاقية لتسوية أزمة سياسية لا غير!
- على فكرة، المراهقون فقط في هذه البلاد من يحتفلون بعيد الحب الفبرايري (فالنتاين).. ما أحوج هذه البلاد إلى الحب وما أعوز الحب إلى قلوب اليمنيين الأرق وأفئدتهم الألين!
/////////////
• مارس
- شهر المناسبات والأعياد.. أوله عيد للشجرة وأوسطه للمرأة وفي ثلثه الأخير عيد للأم.
مارس رغم ذلك ورغم اخضرار أيامه غير أنه اسم (إله الحرب) عند الرومان.. والحرب التي يعرفها اليمنيون جيداً، الحرب التي أتعبت اليمنيون وأتعبوها.. حربهم الصغيرة تتلاقح ثأرات ومعارك ودماء وخراباً ويتامى وأرامل، ولا تخلف غير صاحب السعادة (الموت).
في هذا الشهر من العام 1968م حدثت أولى حروبهم الصغيرة الموجعة حين اصطدم المعسكر الجمهوري بنفسه، بعد أسابيع قليلة من فكّه لحصار الملكيين بصنعاء.. اشتبكت القوات النظامية مع مليشيات المقاومة الشعبية في صنعاء في أول بادرة حقيقية وعنيفة للانشقاق للصف الجمهوري.. كان ذلك التصادم مؤلماً وقاسياً على الحالمين الثوريين التقدميين، وكان هو أيضاً الصدام الذي مهدت نتائجه لسيطرة القوى التقليدية على مقاليد الجمهورية ومكنتهم من تقييد تقدم الثورة وإيقافها عن الزحف قدما نحو المستقبل.. وبالفعل فلم ينته مارس من العام 1970م إلا وكان يمين الجمهورية يصافح يمين الملكية، فيما عُرف بـ(المصالحة)!
- من الثامن عشر من مارس 2011م وحتى الثامن عشر من مارس 2012م انتقلت ثورة التغيير من يوم الميلاد إلى يوم الدفن.. ففي اليوم الأول (جمعة الكرامة) سقطت شرعية النظام نهائياً بإراقته لكل تلك الدماء الطاهرة الزكية، وهو ما أحدث هزة زلزالية تجاوزت (ريختر) وأحدثت انشقاقاً عريضاً وقاتلاً في جسد النظام. وحين كان يتهاوى النظام تلقائياً حدثت المعجزة.. انشق بعضه عن بعضه الآخر.. تعسكرت سلمية الساحات.. اتسع العنف والعنف المضاد ليشمل أطراف الثورة بعد أن ضمن رأسها.. تدخل (الآباء العرابون) دولياً وإقليمياً لإنقاذ أبنائهم بالتبني..
- توالت الأحداث لتصل في يوم الـ(18) من مارس 2012م إلى حدث غرائبي تراجيكوميدي.. بعض النظام الباقي وبعضه المنشق عليه يدلفون إلى قاعة فندق (موفنبيك) سويّةً يتشابكون الأيدي والأرجل ويتبادلون الضحكات والبسمات من أجل أن يتحاوروا على كيفية صنع نظامهم الآتي الجديد.. غاب الشهداء بالطبع.. لم يحضر الجرحى، وتغيّب المفقودون عن حفلة الستة الأشهر ويزيد! حضر الضيوف فيما غُيّب أصحاب الشأن!! دخل المتحاورون من باب واحد يومها وسيخرجون من أبواب متفرقة، ولن يكون (يوسف) هو من ينتظرهم هذه المرة، بل (فرعون) هو من سيكون الواقف عند الباب.
- بالمناسبة! في الواحد والعشرين من مارس يحتفل الإخوان (غير الشقيقين) علي عبدالله صالح وعلي محسن صالح بمناسبتين هامتين لكلٍ منهما: الأول بذكرى عيد ميلاده، والثاني بذكرى إعلانه (الانضمام) إلى ثورة الشباب.. وللأسف! نسي الاثنان الاحتفاء بما هو أهم: عيد الأم.. طوبى لطائع والديه!!
//////////////
• إبريل
وأتساءل دائماً عن السر وراء التوقيت الذي اختاره الخليجيون ليقدموا فيه مبادرتهم.. كان إبريل هو ذلك التوقيت.. وإبريل يعني الربيع وهو الشهر الذي يبدأ به هذا الفصل المبارك وفقاً للرومان.. هذا الخيار الأول لكشف ذلك السرّ.
الخيار الثاني هو أن إبريل هو الشهر الأكثر شهرة بين الشهور؛ بسبب تميّز يومه الأول بخصوصية لا أخلاقية صادمة وعابثة.. كانت تلك هي كذبة إبريل؛ وكانت المبادرة هي تلك الكذبة!
إبريل في تقويم اليمن الجمهوري حافلٌ كثيراً بالأحداث الممتدة من وريد الألم إلى شريان السعادة..
- بين الرابع والعشرين والثامن والعشرين من إبريل 1964م زار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر اليمن في رسالة مباشرة وقوية ولا تحمل التأويل، بأن مصر عبدالناصر قد حسمت موقفها نهائياً بشأن وقوفها مع ثورة سبتمبر وجمهوريتها الوليدة.. كانت تلك هي الزيارة الأكثر تاريخيةً ودلالات في تاريخ اليمن الحديث.. وبغض النظر عن أهداف ومرامي وغايات التدخل المصري في اليمن إلا أن ما كشفته –مثلاً- القناة الإسرائيلية العاشرة مؤخراً بشأن تدخل إسرائيل المباشر في الحرب الجمهورية الملكية في اليمن بجانب الملكيين وقيام طيرانها الحربي بشنّ هجمات مباشرة على القوات المصرية في اليمن وقوات الجمهورية (العربية) اليمنية، وبتسهيلات وتنسيق مع دول الدعم الملكي ممثلة بالسعودية والأردن وإيران الشاه ومن ورائهم جميعاً أمريكا.. هذا الكشف وغيره يؤكد بأن مشروع عبدالناصر القومي كان يشكل خطراً حقيقياً على مصالح الصهيونية وعملائها في المنطقة، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال إخراج الأمور عن سياقاتها التاريخية بأثرٍ رجعي.. فالرجعية استنفرت كامل قوتها وعدّتها لمواجهة جمهورية سبتمبر الفتيّة، ليس حباً في آل حميد الدين ولكن كرهاً في فكرة الثورة ومضامينها التقدمية والتحررية الواعدة.
- وفي هذا الشهر من العام نفسه أصدر الرئيس السلال إعلاناً جديداً بدستور يمنيٍ مؤقتٍ ثانٍ.. لقد سبق هذا الدستور دستورٌ آخر صدر في الـ(31) من أكتوبر 1963م، كما وتبعه إصدار واعتماد دساتير أخرى سواء في جمهورية سبتمبر شمالاً أو في جمهورية أكتوبر جنوباً.. حتى اليوم ما يزال اليمنيون يتصارعون على نصوص الدستور ومواده فيما هم قد فشلوا وما يزالون في خلق دولة ولو بشروطها الدنيا لتطبيق مضامين تلك الدساتير وتنفيذها على أرض الواقع! إنه مشهد مسرحي يتكرر بين وقت وآخر ليصيب الناس بالضجر والبلد بالاكتئاب.. يصوّر البعض معركة الشعب الأولى على أنها معركة الدستور، ويتناسى هؤلاء بأن إسرائيل مثلاً بلا دستور منذ إنشائها حتى اليوم، ولكنها دولة منذ قيامها وحتى اليوم أيضاً!
- في الأول من إبريل من العام 1965م أُغتيل أبو الأحرار الشاعر والمناضل الفذّ محمد محمود الزبيري، في عملية قتل قذرة وجبانة وقمئه.. كان الزبيري أحد أيقونات ثورة سبتمبر الخالدة وكان اغتياله استهدافاً مباشراً لروح تلك الثورة .. وبغض النظر عن كل الجدل الدائر منذ يوم اغتياله حتى اليوم بشأن هوية القتلة ومن يقف وراءهم، فمن الواضح فعلاً أن الزبيري لم يمت فهو ما يزال حياً بكل ما حمله من قيم ومبادئ ومآثر حتى اليوم، وكأن خبر اغتياله لم يكن غير إحدى كذبات إبريل.
- يوم السابع والعشرين من هذا الشهر هو يوم استثنائي في أيام تقويم اليمن الجمهوري؛ ففي مثل هذا اليوم من العام 1975م أصدر الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي قراراته التاريخية العظيمة بشأن إعادة تنظيم وهيكلة الجيش، وبخصوص إقالة بعض قاداته الذين مثلوا مراكز قواهم القبلية أكثر من تمثّلهم لأمانة مناصبهم الوطنية.. ويُعرف ذلك اليوم بـ(يوم الجيش) وهو اليوم الذي لم يتكرر حتى الآن برغم كل ما يُثار اليوم عن هيكلة الجيش وتوحيده، وخلافه.. فالحادث اليوم ليس أكثر من تدوير لمواقع القيادة بين شركاء النظام السابقين اللاحقين!
- وفي مثل هذا اليوم أيضاً من السابع والعشرين من إبريل 1993م أُجريت أول انتخابات نيابية حرة ومباشرة في تاريخ اليمن المعاصر، وبعيد الوحدة تحديداً، وبرغم كل العوار الذي صاحب تلك الانتخابات فإنها الأكثر نزاهة والأشد تنافساً والأطول تأثيراً؛ حيث تنافس شريكا الوحدة (المؤتمر الشعبي والاشتراكي) على حصد أكبر عدد من مقاعد أول مجلس نيابي وحدوي منتخب، ودخل الإصلاح إثر نتائجها كطرف ثالث شريك في السلطة وهو ما عدّه المؤتمريون والإصلاحيون نتاجاً ديمقراطياً فيما اعتبره الاشتراكيون مؤامرة عليهم. ومع ازدياد الاختلافات بين طرفي الوحدة ازداد التوتر بينهما وتصاعد الصراع ليصل ذروته في نفس هذا اليوم من العام 1994م حين أعاد صالح شعار الجمهوريين في حصار صنعاء (الجمهورية أو الموت) إلى الواجهة مرة أخرى وإن بتصحيف خفيف لهذا الشعار ليصبح (الوحدة أو الموت) مضمناً إياه في خطابه من ميدان السبعين بصنعاء والذي وجهه لشركاء الوحدة في عدن كتهديد صريح بالمواجهة، وهو ما اعتبره البيض ورفاقه إعلاناً واضحاً من صالح للحرب عليهم!
///////////
• مايو
- مايو عند الرومان إسم لأنثى آلهة وهي والدة عطارد.. لا أدري بالضبط عن العلاقة التي تربط بين تلك الآلهة وبين الوحدة اليمنية.. ربما الأنوثة التي تجمع بينهما وهو ما يتجلى في تعامل النظام البائد/العائد مع الوحدة كأنثى تخصّه لوحده وجارية من جواري بلاطه! قد يكون التقديس هو الرابط بين معنى الاسم (مايو) وبين وحدة مايو التي تتعامل معها مراكز القوى والنفوذ شمالاً وجنوباً كآلهة يعبدونها من دون الله، صنعوها تمثالاً من تمر وسكر ونفط وغاز وكافيار يقدسونه علناً ويأكلونه خفيةً!
على كلٍ فإن لشهر مايو خصوصية معتبرة في تقويمنا الجمهوري؛ ففي يومه الثاني والعشرين من سنة 1990م تم الإعلان من القصر الجمهوري (القصر المدوّر) في عدن عن إعادة تحقيق الوحدة بين شطري اليمن، وبعد أربع سنوات من هذا التاريخ وفي يومه الواحد والعشرين تم الإعلان عن فك الارتباط بين شطريه أو ما عُرف لاحقاً بإعلان الانفصال ومن طرف واحد تمثّل في علي سالم البيض وحزبه الاشتراكي.. بين الإعلانين تشكلت التفاصيل التي كمُن فيها الشيطان! فترة انتقالية مشحونة عن آخرها بالعنف والأزمات والاتهامات والانتخابات والتحالفات والتربيطات والتضبيطات، وانتهت تلك الفترة إلى حرب بين شريكي الوحدة دمرت أول ما دمرت روح الشعب الواحد.
الإعلان المسلوق والمستعجل وغير المدروس عن قيام الوحدة شكّل بذرة الخلاف الأولى، إضافة إلى ما أضمرته الأطراف الموقعة على الوحدة لبعضها البعض من سوء نوايا ومؤامرات مسبقة، كما والتدخلات الإقليمية السافرة في شؤون البلاد وقرارات سلطاتها.
وببساطة أقول: الثاني والعشرين من مايو 90م كان اليمنيون يعيشونه ولا أحلى.. أما الواحد والعشرين منه عام 94م فكان هو اليوم الذي تحول فيه ذلك الحلم إلى كابوس اتسع مكانياً وازداد زمانياً ليصل لاحقاً إلى (فرانكشتاين) مرعب لا ينفك لحظة عن الانقضاض على عنق البلد وامتصاص دماء أبنائه.
قالوا بأن اليمنيين كانوا موحدين كشعب قبل الوحدة وبأنهم بعد العام 1994م انفصلوا روحياً رغم اتصالهم جسدياً.. وأقول أن الحل يكمن في العدل بدايةً وليس نهاية.
- اتسع الخرق على الراقع من قبل ومن بعد.. تكاثرت الثقوب على فستان الوحدة فصار مهلهلاً رثاً ومتسخاً كذلك.. تراكمت المشكلات فوق بعضها البعض فشكّلت تلّاً هائلاً من الأزمات.
في الواحد والعشرين من مايو 2012م وخلال التحضيرات للاحتفاء بذكرى تحقيق الوحدة في اليوم التالي –وهي الذكرى الأولى التي يحتفى فيها بالوحدة بدون علي عبدالله صالح على رأس السلطة- في ذلك اليوم سقط حوالي مائة جندي شهداء في لحظات قليلة في ميدان السبعين بصنعاء. أُتهمت القاعدة بالمسؤولية المباشرة عن التفجير الانتحاري ذاك، واتُهم قادة عسكريون وأمنيون بالمسؤولية غير المباشرة لتقصيرهم في الاحتياطات الأمنية.
بعد أكثر من عام على تلك الجريمة أصدرت المحكمة أحكاماً بالسجن بين (3-10) سنوات على المتهمين، وأحالت القيادات المتهمة بالتقصير للتحقيق.
تتفاوت ردود الفعل على الجرائم الإرهابية والغارات الجوية كذلك.. الغارات التي تنفذها طائرات أمريكية بدون طيار وسقط فيها العشرات دون محاكمات تذكر. تستمر الجرائم ويستمر التنديد، ولا تتوقف دماء اليمنيين عن النزيف!
- يحتفل عمال العالم في الأول من مايو بعيدهم.. عمال اليمن ليسوا ضمن أولئك.. إنهم فقط يشاهدون فقط حفلات التكريم في التلفاز، ويسأل أحدهم الآخر: هل حضرت يوماً حفلاً؟ ليجيب الآخر: نعم، حينما قمنا بتكريم المدير!
////////////
• يونيو
كان الرومان يقيمون في يونيو أعياداً للاحتفاء بالشباب، أما اليمنيون فقد صنعوا في هذا الشهر استقلاله وليس انتهاءً بيومه الثالث من العام 2011م والذي وقعت فيه حادثة تفجير مسجد دار الرئاسة فيما عرف بـ(جريمة النهدين).. في يوم الـ(22) من هذا الشهر أقيل أول رئيس جنوبي بعد الاستقلال (قحطان الشعبي) من منصبه على أيدي رفاق الكفاح والنضال في قيادة الجبهة القومية، بعد صراع بينه كممثل للجناح المعتدل داخل الجبهة وبين ممثلي الجناح المتطرف/الماركسي ممثلاً في سالم ربيّع علي ورفاقه.. خلف سالمين (الشعبي) في الرئاسة، وما هي إلا سنوات حتى عاد الصراع مجدداً، لكن هذه المرة داخل الجناح الماركسي.. وكما انتهى الصراع الأول بإقالة قحطان ووضعه تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في بداية الثمانينات فقد انتهى الصراع الثاني بإعدام سالمين في يوم 26 يونيو 1978م. أُعدم سالمين بعد ثلاثة أيام من إقالته واختيار عبدالفتاح اسماعيل في منصبه بديلاً عنه.
- في الـ13 يونيو 1974م أُطيح بالرئيس الجمهوري الثاني والمدني الوحيد بين الرؤساء الجمهوريين، القاضي عبدالرحمن الإرياني، وذلك من قبل الجيش ممثلاً ببعض قياداته وعلى رأسهم المقدم إبراهيم الحمدي.. كان انقلاباً أبيض بلا شك، وسمّي لاحقاً من قبل قادته بـ(حركة تصحيح) والتي استهدفت إعادة روح الجمهورية إلى جسد البلد المنهك من كل النواحي. كانت حركة طموحة وصادقة قادها رجل عظيم واستمرت لما يزيد عن الثلاث سنوات بقليل، وانتهت باغتيال الرئيس الحمدي واغتيال طموحاته الوطنية الصادقة وأحلام اليمنيين في الدولة اليمنية الحديثة.
أُتهم أحمد الغشمي –والذي خلف الحمدي في الرئاسة- بتنفيذ جريمة الاغتيال، إضافة إلى آخرين صُنّفوا على القوى التقليدية القبلية والعسكرية، وبدعم إقليمي وضوء دولي أخضر.
بدأ الحمدي وانتهى فارساً نبيلاً ووطنياً غيوراً، فيما انتهى الآخرون إلى مزبلة التاريخ.. لم يمهل القدر الغشمي كثيراً فانتهى مقتولاً في تفجير حقيبة ملغومة مرسلة من دولة الشطر الجنوبي، في يوم الـ24 يونيو 1978م، وبعد حوالي ستة أشهر من ترؤسه للبلد.
- اندلعت حرب صعدة الأولى في شهر يونيو من سنة 2004م بين الدولة وجماعة الحوثيين بزعامة حسين بدر الدين الحوثي.. انتهت تلك الحرب بمقتل حسين الحوثي لتبدأ حروب أخرى متعاقبة في الاشتعال بين الطرفين.. خمس حروب أعقبت الحرب الأولى وانتهت بسيطرة الحوثيين على محافظة صعدة كاملة، وعلى أجزاء واسعة من محافظات الجوف/عمران/حجة.
- في اليوم الثالث من يونيو 2011م وقعت جريمة تفجير مسجد الرئاسة أثناء صلاة الجمعة، وبحضور معظم قيادات الدولة العليا، فسقط العشرات بين قتيل وجريح.. ويُصاب رئيس الجمهورية آنذاك (علي عبدالله صالح) بإصابات بليغة أُسعف على إثرها للعلاج في السعودية. حدث ذلك في خضم تصاعد وتيرة العنف والعنف المضاد الذي أعقب جمعة الـ18 من مارس من العام نفسه، وبعد انشقاق اللواء علي محسن الأحمر وآخرون عن نظام صالح وإعلانهم الانضمام إلى ثورة الشباب.. وبين جمعة الكرامة وجمعة رجب شهد اليمن الكثير من الأحداث والتطورات والمواجهات العسكرية ومثّلت في تلك الفترة انحرافاً واضحاً عن مسار الثورة السلمية، الذي اتخذه الشباب منذ البداية، وهو ما استطاع النظام ومن انشق عنه بحرفه نحو العنف وبأن يتحول الأمر من ثورة إلى مجرد أزمة سياسية بين أطراف متصارعة على الحكم!
//////////
• يوليو
سُمي هذا الشهر بيوليو نسبة إلى الإمبراطور الروماني الشهير (يوليوس قيصر).. ولهذا الشهر في ذاكرتي المتواضعة ثلاث محطات هي:
- استُؤنفت العلاقات اليمنية السعودية في يوليو من العام 1970م بعد قطيعة زمنية قاربت الثمان سنوات، بدأت باندلاع ثورة سبتمبر 1962م وإعلان قيام (الجمهورية العربية اليمنية) والموقف السعودي المعارض للثورة والمؤيد للإمامة، وعدم الاعتراف بالجمهورية الوليدة، بل ودعم وتسليح وتجييش كل الإمكانيات لإسقاطها. الموقف السعودي ذاك لم يكن مبنياً على أي حسابات دينية كما يعتقد البعض، بل على حسابات سياسية وبراجماتية واضحة.. كنظام ملكي عائلي كان من غير المفاجئ اتخاذه لسياسة العداء ضد الثورة كفكرة وضد الجمهورية كتطبيق.. التدخل المصري أضاف عامل دفعٍ آخر للسعودية لمواجهة الجمهورية؛ فمصر عبدالناصر بثوريتها وقوميتها وتقدميتها مثّلت حينذاك العدو الأول ليس فقط للأنظمة الملكية بل ولقوى الاستعمار العالمية وصنيعتها (إسرائيل).
تحول الصراع بين مصر وما تمثله وبين السعودية ومن تنوب عنهم إلى حرب أهلية طاحنة في اليمن استمرت لسنوات.. وبرغم الانتصار الجمهوري الرائع في فك الحصار الملكي عن صنعاء في بداية العام 1968م وبدون مساعدة من القوات المصرية المنسحبة، إلا أن المعركة بين الجمهوريين والملكيين لم تنته إلا في العام 1970م حين عقد الطرفان معاهدة صلح وعُرفت لاحقاً بـ(المصالحة الوطنية) والتي رعتها السعودية وبمباركة مصر المنكسرة من نكسة حزيران 1967م، وقضت أهم بنودها بإخراج آل حميد الدين نهائياً من المصالحة، والاعتراف بالجمهورية، وتقاسم السلطة بين المعسكرين.
- في السابع عشر من يوليو من العام 1978م صعد علي عبدالله صالح إلى كرسي رئاسة اليمن الشمالي خلفاً لرئيسين مقتولين من قبله هما (الحمدي والغشمي) على التوالي.. كان التوقيت صعب بالفعل غير أن الترتيب كان سهلاً بالمقابل. توافقت قوى النفوذ القبلية والعسكرية على (صالح) كبداية جديدة لتحكمهم بالبلاد، بعد انقطاع قصير عن ذلك خلال فترة حكم الحمدي. الموافقة الإقليمية كانت على ما يبدو مسبقة، والدولية كذلك.. صالح المنتمي لقبيلة سنحان لن يمثّل خطراً على نفوذ القوى التقليدية.. هذا ما فكر فيه رموز تلك القوى في حينه، وهذا أيضاً ما أدركه صالح مبكراً وعمل على تنفيذه لاحقاً، فحكم معهم وحكموا معه طوال أكثر من عقدين من السنين. في العقد الأخير من حكمه قلّص صالح من ذلك الحلف تدريجياً، لينتهي به وحده الحاكم بأمره وبهم إلى مواجهته بدءاً من العام 2001م مروراً بـ2006م وانتهاءً بـ2011م.
- في السابع من يوليو من العام 1994م دخلت القوات العسكرية المؤيدة للوحدة وللشرعية الدستورية -كما قيل حينها- إلى عدن، مسدلةً الستار على حرب استمرت لأكثر من شهرين.. طرفاها: علي عبدالله صالح، وشعاره الدفاع عن الوحدة، وعلي سالم البيض وإعلانه فك الارتباط/ الانفصال. ظهر الأمر بالفعل على أنه مشهد النهاية لدعوة الانفصال، غير أنه تجلى لاحقاً كمشهدٍ أول لتلك الدعوة!
//////////////
• أغسطس
- في أغسطس من سنة 1968م اقتتل المعسكر الجمهوري بجناحيه التقليدي والتقدمي، وخرج التقليديون منتصرين من هذا الاقتتال، ليمثّل ذلك الانتصار هزيمة أخرى للجمهورية وحالميها. وفي أغسطس سنة 1978م وقعت مذبحة الناصريين الشهيرة؛ حيث قتل العشرات وأُخفيت جثثهم حتى اليوم، على يد نظام صالح (العسكرتاري) وبمبرر محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها أولئك؛ وقد عدّ ذلك نكسة موجعة في طريق استعادة الثورة والجمهورية.
- في 24 أغسطس 1982م أُعلن عن تأسيس المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، كتنظيم سياسي موحد جمع في طياته فرقاء السياسة من إسلاميين وبعثيين وقوميين، ولمواجهة قوى اليسار الموحدة في الجنوب ممثلة في الحزب الاشتراكي. بدأ المؤتمر واستمر وما زال تنظيماً سلطوياً عائماً غير مؤدلج وليس له عقيدة.. انتهى به الحال قبل سنوات إلى أن يصبح حزباً للحاكم لا أكثر ولا أقل، لكنه برغم ذلك ولظروف كثيرة ما يزال اليوم شريكاً كاملاً في السلطة برغم خروج رئيسه صالح عن الحكم.
- في 2 أغسطس 1990م احتل (صدام) اليمن.. نعم، اليمنى وليس الكويت التي تحررت من الغزو بعد أقل من عام واستعادت استقلالها، فيما عانى اليمن ولا يزال من تداعيات ذلك الاحتلال وأولاها: عودة ملايين المغتربين إلى الداخل –في تحدٍ خطير لدولة الوحدة المولودة قبل شهرين فقط!
////////////
• سبتمبر
- في 19 سبتمبر 1962م مات الإمام أحمد حميد الدين ليخلفه إبنه البدر بالإمامة.. بعد أسبوع تقريباً أُطيح بالإمام البدر من الحكم بما عُرف تاريخياً بثورة السادس والعشرين من سبتمبر. عملياً استمر البدر إماماً حتى العام 1970م حين عقدت المصالحة الوطنية بين المعسكرين الجمهوري والملكي وخروجه وآل حميد الدين من المشهد تماماً.
مثّلت ثورة سبتمبر ضرورة لليمنيين ولكن مسّت محظوراً إقليمياً ودولياً خطيراً.. ثورة مستحقة بالفعل وواجبة بالتأكيد، لكن ما حدث لاحقاً أمرٌ آخر!
يروى عن أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية، المشير السلال، قوله: "لقد ظلمنا بيت حميد الدين" حين رأى -وبعد سنوات على خروجه من الحكم- مظاهر البذخ والأبهة واضحة على قصر أحد المسؤولين!
جمهورية سبتمبر 62م ولدت حلماً وترعرعت ألماً وانتهت إلى ما يشبه الأسطورة! يحدثك البعض عنها كانقلاب، فيما ينظر لها البعض الآخر كثورة الثورات.. ولكنها في الحقيقة ليست أكثر ولا أقل من تجربة إنسانية عظيمة شابها من الأخطاء ما شاب غيرها... لقد ولدت من خاصرة التاريخ ونشأت فوق رمال صحراوية متحركة، ورغم ذلك فقد نجت مراراً غير أن الحلم دائماً ما يتجاوز السقف الأعلى مما تحقق منه.
نصف قرن مضت، منذ أن (فعلها البدر وهرب) كما قالها البردوني، واليمنيون يبحثون عن وطن مزدهر ومستقر وآمن وعادل وقوي ومستقل.. ربما أن الواقع يبدو مصلوباً على خشبة الحلم، إلا أن المؤكد هو أن الحلم لم يُلقَ جثةً هامدة على أرض الواقع! سبتمبر كانت حلماً.. وستستمر كذلك.
- أُختير أو أُنتخب علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية اليمنية أربع مرات في شهر سبتمبر.. الأولى: في 16/9/1993م حين انتخبه أول مجلس نواب منتخب بعد الوحدة رئيساً لمجلس الرئاسة، الثانية: بعد حرب 1994م حين انتخب من مجلس النواب أيضاً رئيساً للجمهورية في 1/9/ 94م بعد تعديل الدستور وإلغاء مجلس الرئاسة، الثالثة: في أول انتخابات رئاسية مباشرة من قبل الشعب في 23 سبتمبر 1999م وفاز بها فوزاً ساحقاً، أما المرة الرابعة التي انتخب فيها صالح رئيساً فكانت في انتخابات سبتمبر 2006م وهي الانتخابات الأشد تنافساً والأكثر ضراوة والأكبر مشاركة؛ وقد فاز فيها على منافسه مرشح أحزاب اللقاء المشترك، المهندس الراحل فيصل بن شملان.
- في الـ13 من سبتمبر 1990م تأسس التجمع اليمني للإصلاح كحزب إسلامي ووسطي ومعتدل. كان الإخوان المسلمون قبل هذا التاريخ منضمين في معظمهم في المؤتمر الشعبي العام، وكان هو التنظيم السياسي المعترف به في اليمن الشمالي قبل الوحدة.. كانت الحزبية ممنوعة حينذاك غير أن الأحزاب كانت موجودة بالفعل وتمارس نشاطها تحت الأرض. الإخوان لم يتشكلوا في حزب سياسي إلا بعد الوحدة، وإلا فإنهم كانوا موجودين بالفعل كتنظيم يمارس نشاطه على الأرض وتحتها.
هناك روايات كثيرة حول بدايات نشوء تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، إحداها تتحدث عن بداية الأربعينات من القرن الماضي على يد الجزائري الفضيل الورتلاني، وأخرى تروي بأن الزبيري (تأخون) في مصر أثناء إقامته بها، وأتى إلى اليمن حاملاً فكر الإخوان.. غير أن الرواية الأكثر توثيقاً تقول بأن عبده محمد المخلافي هو المؤسس الأول والحقيقي لتنظيم الإخوان في اليمن.
يُحسب للإصلاح انفتاحه على شركاء العمل السياسي الآخرين، فيما يؤخذ عليه تحالفاته المتعددة مع صالح ومؤتمره وحزبه.. يُسجّل للإصلاح تقدمه صفوف المطالبين بالتغيير، فيما يُسجل عليه تأخره عن المزاج الثوري ولجوئه للخيار السياسي للخروج من ثورة/ أزمة 2011م.. يُسجل للإصلاح مرونته ووسطيته، ويؤخذ عليه تحالفه الوثيق مع القوى التقليدية القبلية والدينية والعسكرية.
يعود الإصلاح اليوم للمشاركة في السلطة بعد خروجه منها رسمياً منذ العام 1997م، ولكن السؤال هو: هل سيستمر الإصلاح متحالفاً مع أحزاب المشترك، سواء بقي في السلطة أو خرج منها!
//////////////
• أكتوبر
- اندلعت ثورة التحرر والاستقلال من الاحتلال البريطاني من جبال ردفان في الـ14 من أكتوبر 1963م واستمر كفاحها المسلح حوالي ست سنوات حتى حصل اليمنيون على الاستقلال في الـ30 من نوفمبر 1967م.
أكتوبر شهر مثخن بالذكريات الجيدة -كما سلف- والسيئة كما سيأتي:
ففي الوقت الذي أعلنت فيه مصر عبدالناصر الدعم والمساندة لثورة سبتمبر في 5 أكتوبر 1962م أعلنت المملكة العربية السعودية بعد ذلك بأيام (31 أكتوبر) دعمها للإمام البدر؛ ليمثل الإعلان الأول ومعه الإعلان الثاني إعلاناً غير مباشر للحرب بين مصر والسعودية في اليمن، والتي انتهت تقريباً يوم 12 أكتوبر 1967م مع بداية انسحاب القوات المصرية من اليمن.
- من الذكريات السيئة لشهر أكتوبر الحرب الأولى بين الشطرين في العام 1972م .. ومن ذكرياته الجيدة أن تلك الحرب نفسها قد توقفت سريعاً وبالتحديد يوم28 من نفس الشهر حين وقّع الرئيسان الإرياني وسالم ربيع علي على الاتفاقية الأولى لتحقيق الوحدة في القاهرة.
- غير أن الذكرى الأسوأ على الإطلاق، والتي لا يمكن محوها من ذاكرة اليمنيين، والمرتبطة بشهر أكتوبر هي ذكرى اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977م.. لقد مثّلت حادثة الاغتيال تلك واحدة من أسوأ وأبشع عمليات الاغتيال السياسي على الإطلاق، كما وشكلت نكسة كبرى لحلم نيل الدولة المدنية الحديثة وأمل الحصول على دولة النظام والقانون، وسُرقت الثورة وجمهوريتها مرة أخرى من قبل عملاء التخلف والجهل والظلام.. وحين حاول البعض استعادة حلم الحمدي ممن سرقه فشلت محاولتهم تلك كما حدث للإنقلاب الناصري ضد نظام صالح (العسقبلي)، والذي وقع أيضاً في شهر أكتوبر 1978م.
/////////////
• نوفمبر
- شهد نوفمبر وطوال الخمسين سنة الماضية الكثير من الأحداث الدراماتيكية الغريبة، كما حدث في هذا الشهر من العام 1967م.. ففي يومه الخامس تمت الإطاحة بأول رئيس جمهوري بعد ثورة سبتمبر –المشير السلال- من قبل رفاق الأمس وخصوم اليوم.. خلف القاضي عبدالرحمن الإرياني السلال في منصب رئيس الجمهورية، والفريق حسن العمري في منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.. بعد حوالي ثلاثة أسابيع من ذلك اليوم وبالتحديد في الـ28 من هذا الشهر، بدأ حصار القوات الملكية للعاصمة صنعاء، وهو الحصار الشهير والمعروف بـ(حصار السبعين يوماً).. بعد يومين لا أكثر تم الإعلان عن استقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني، وهو ما يبعث على تساؤلات عدة منها: هل كان يوجد ثمة تنسيق بين الملكيين ومن خلفهم السعودية وبين البريطانيين بحيث تُحاصر صنعاء قبل إعلان الاستقلال لوأد أي محاولة لإعلان الوحدة؟ أم أن التنسيق تم بين أبطال الاستقلال أنفسهم وبين الآخرين؟ أم أن الأمر برمته محض صدفة؟!
- في شهر نوفمبر وقّع الرئيس السابق (صالح) مرتين.. الأولى فيس الـ29 من نوفمبر 1989م على اتفاقية الوحدة اليمنية في مدينة عدن، والثانية في الـ23 من نوفمبر 2011م على المبادرة الخليجية في الرياض.. وهي مفارقة ربما تكون غريبة خاصة إن تمعنّا في تفاصيل كلا المشهدين: الأول كان المشهد الذي دخل منه التاريخ، أما الثاني فهو المشهد الذي خرج منه وإن كان أنصاره يرفضون ذلك ويعدون توقيع صالح على المبادرة الخليجية والتي بموجبها خرج من الحكم – يعدون ذلك دخولاً ثانياً لصالح إلى التاريخ!
////////////////
• ديسمبر
في الـ10 من شهر ديسمبر 2011م شكلت حكومة الوفاق الوطني مناصفة بين المؤتمر وحلفاءه والمشترك وشركاءه وبرئاسة محمد سالم باسندوة، وأتى تشكيلها وفقاً لما تضمنته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، من حينه واليمن في انتظار ولادة الحلم الذي حاول الحالمون تحقيقه بالثورة، فيما ردد السياسيون أن لا طريق إليه سوى بالتسوية السياسية.. مرّ عامان والولادة متعسرة سواء طبيعية كانت أو قيصرية.. وما يزال اليمنيون ينتظرون.
ديسمبر.. هذا الشهر الذي انتهى في يومه التاسع من العام 1967م انسحاب القوات المصرية من اليمن شهد يومه الثامن والعشرون جريمة اغتيال بشعة وقذرة ارتكبها أحد المتطرفين بحق واحد من أعظم السياسيين في تاريخ اليمن المعاصر وهو الشهيد جار الله عمر..
المقالات الاقدم:
- محمود الجنيد ممثل أنصار الله بالحوار لــ"اليقين": مشكلة دماج مفتعلة وصعدة حققت أمن واستقرار لا نظير له في اليمن - 2013/11/01
- فلكيون يكتشفون أبعد مجرة الى الآن - 2013/10/31
- لسان الحال الأطراف السياسية.. هادي وصالح والملك - 2013/10/31
- الحَجْ.. ذِكريات وَمَشَاهِدْ - 2013/10/31
- فلكيون يكتشفون أبعد مجرة الى الآن - 2013/10/31
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
- خطوط التماس في باب المندب - 2023/12/11
- الحرب الروسية الأوكرانية تصب الزيت على نار الأزمة الغذائية في اليمن - 2022/03/02
- ما تداعيات التحركات الأمريكية لحسم الحرب في اليمن؟ - 2021/10/04
- تقرير استخباراتي أمريكي: السعودية تريد الخروج من اليمن وستقدم تنازلات للحوثيين - 2020/11/26
- "اقتصاد طوائف" يتشكل في اليمن : تقسيم العملة والثروات - 2020/07/21
مقالات متفرقة:
- قطر تزيل تمثال "نطحة زيدان" بسبب جدل بشأن الأصنام - 2013/10/31
- الحرب الباردة بين أبوظبي والرياض.. حزب الإصلاح بين مطرقة الإمارات وسندان السعودية - 2019/03/14
- سجون سرية ومقابر جماعية في جنوب اليمن وبإشراف إماراتي - 2019/01/15
- في ذكرى تأسيسه.. هذا هو المطلوب من حزب الإصلاح - 2013/10/31
- وطن جريح.. تحت مبضع الأقلمة ومقصلة التشطير! - 2014/01/26
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127132 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26818 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26114 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20498 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17787 مرُة