drawas

454x140 صوت واضح

صعدة.. بين الحوثيين والسلفيين والقاعدة!

aadelaminثلاثة متغيرات طرأت على مشهد الصراع المحتدم في دمّاج منذ حوالي شهر بين جماعتي الحوثيين والسلفيين, تمثلت في دخول الإرهاب على خط الصراع بين الجماعتين المتناحرتين, وحدوث تطور نوعي في تكتيك المواجهة لدى السلفيين تمثل في محاصرتهم لمحافظة صعدة معقل الحوثيين, وفرض حصار خانق عليهم لإرغامهم على إنهاء حصارهم لدمّاج, أما التطور الثالث فكان على الجانب السياسي, وبرز على شكل تصريحات رسمية انتقدت الحوثيين في ما يبدو أنه محاولة لامتصاص غضب الشارع تجاه الصمت الحكومي وعجز الدولة عن بسط سيادتها في منطقة النزاع.

استدعاء الإرهاب

الخطاب الإعلامي للحوثيين المصاحب لحربهم على دمّاج اعتبر الحرب الدائرة هناك هي بالأساس مع الإصلاح وعلي محسن وبغطاء سلفي, ما يُشتم منه رائحة طبخة سياسية تحاول استدراج حزب كبير كالإصلاح إلى معركة ليست معركته, وظل يرفضها طوال الوقت ويحذر من عواقبها ويدعو إلى إخمادها في المهد.

وبعد أن فشلت محاولة جرّ الإصلاح إلى مربع الصراع لجأ المخرج إلى الخطة البديلة وهي الاستعانة بلاعب آخر, عادة ما يؤدي الدور المطلوب منه في الأوقات الحرجة وعند الطلب، وهو ما يسمى بتنظيم القاعدة, الذي أعلن- في تسجيل مصور- استعداده وجاهزيته للتدخل إلى جانب السلفيين لدحر الحوثيين وتأديبهم, وهو مخطط أريد منه: إطالة أمد الحرب وتوسيع دائرة الصراع وإكسابه بعداً طائفياً, والتغطية على جرائم الحوثي وغسلها في مستنقع الحرب على الإرهاب, ومحاولة كسب تعاطف الغرب وإضفاء المشروعية على الحرب بوصفها جزء من المجهود الدولي في مكافحة الإرهاب.

أدرك السلفيون على الفور مرامي وأبعاد المخطط الذي يهدف لجرهم بعيداً عن قضيتهم العادلة ليخسروها, فأعلنوا رفضهم القاطع لدخول القاعدة على خط صراعهم مع الحوثي واعتبروا المعركة معركتهم وحدهم. لكن المخرج الذي يدير عجلة الصراع لم يبالِ بما أعلنه السلفيون, وأصرّ على استدعاء الإرهاب وإشراكه في المعركة من خلال عدة عمليات جرى تنفيذها في العاصمة صنعاء, بدأت بمحالة إحراق صحيفتين مواليتين للحوثي, ثم بعملية تفجير سيارة استهدفت هذه المرة شخصية إعلامية حوثية, ليغدو من ثمّ الإرهاب- أو القاعدة كما سيقال لاحقاً- في مواجهة مباشرة مع جماعة الحوثي, كما هدد من سابق, ما يعني بالتالي محاولة الزج به في شراكة قسرية مع السلفيين في مواجهة الحوثة, بعبارة أخرى, ثمة مخطط يستهدف شيطنة سلفيي دمّاج وعقد صيغة تحالفية إجبارية بينهم وتنظيم القاعدة, لخلق المسوغات الضرورية لاستمرار الحرب وتوسيع دائرتها وإكسابها- بالتدريج- بعدها الطائفي كهدف استراتيجي يرمي إلى إدخال البلاد في صراعات طائفية ومذهبية طبقاً للنموذجين العراقي واللبناني, وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تلك العملية الإرهابية التي استهدفت مؤخراً السفارة الإيرانية في بيروت, كرسالة موجهة بدرجة أساسية لحزب الله, وحزب الله اليمني هم الحوثيون, وصراعهم الرئيس سيتركز من الآن فصاعداً داخل العاصمة, بعدما جرى تدشين أولى العملية الإرهابية ضد أحد ناشطيهم. وفي كل الأحوال, فمن شأن نجاح مخطط إطالة أمد الحرب في دمّاج والمناطق الأخرى, كأحد نتائج دخول الإرهاب طرف في الصراع, أن يؤدي ذلك إلى إطالة مؤتمر الحوار الوطني من جهة, وخلق المبررات أمام الحوثيين للهروب من التزاماته ومخرجاته وإفراغه من مضامينه من جهة ثانية. وليس هذا فحسب, فدخول عامل الإرهاب بقوة إلى ساحة الصراع من شأنه أن يمنح جماعة الحوثي مزيداً من المبررات للتمسك بسلاحها ورفض مطالب التخلي عنه وتسليمه للدولة, وهو ما سيضاعف الأعباء على الفترة الانتقالية (التأسيسية) الجديدة التي سيضطلع بها الرئيس هادي وشركاه, وسيجعل منها أسوأ من سابقتها, لجهة التحول الحاصل في مسار الصراع (حوثي- قاعدي) الذي سينتقل جزء كبير منه من صعدة إلى العاصمة, وربما يتمدد في مناطق أخرى, علاوة على ما سينجم عنه من توسيع لدائرة الفوضى والاضطرابات التي ستهز من مكانة الرئيس هادي وتزعزع حكومته. بل ويذهب خصوم الرئيس إلى أبعد من ذلك حين يلوحون بعملية انقلابية تستهدفه في خلال عامين!! فالعنوان العريض في صدر صحيفة (اليمن اليوم) التابعة للمخلوع (الخميس 21/11) حمل تلك الصيغة بالفعل, لكنه اتهم الإخوان بالتخطيط للإطاحة بالرئيس, وجاء الخبر على هيئة تسريب من إحدى صفحات الفيسبوك, لكن العنوان يحمل دلالة واضحة بأن مخطط قوى الثورة المضادة والدولة العميقة للإطاحة بهادي تحرك بالفعل, لكنه يحاول فقط التمويه وصرف الأنظار عنه بعيداً وإلصاق التهمة من الآن بطرف آخر لا مصلحة له البتة في الانقلاب على هادي. وفي كل الأحوال, سيكون إنعاش الصراع بين القاعدة والحوثيين أحد أدوات الدولة العميقة في تهيئة مسرح العمليات مستقبلاً لإنضاج الظروف المناسبة والمساعدة على تمرير المخطط.

الموقف الرسمي من الصراع

ثمانية معسكرات للجيش اليمني في صعدة لا تحرك ساكناً تجاه ما يجري في دمّاج وبقية المناطق الأخرى, فيما اللجنة الرئاسية المكلفة بحل النزاع أثبتت أنها غير قادرة حتى على حماية نفسها والتنقل بأمان في مناطق الصراع. الرئيس هادي يتصرف حتى اللحظة كطرف محياد يتجنب التورط في المشكلة حتى لا يُحسب على هذا الطرف أو ذاك تفادياً للعواقب الوخيمة, فهو يتلطف مع الحوثيين خشية أن تؤدي ممارسة الضغوط عليهم في الظرف الراهن إلى إغضابهم فينسحبوا من الحوار الوطني الذي شارف على نهايته, وبالنسبة للحوثيين, فإن تدخل الدولة عسكرياً لفض النزاع وإحلال قوات الجيش محل الأطراف المتنازعة لن يخدم توجهاتهم الرامية للإبقاء على صعدة منطقة مغلقة على نفوذها, وفي حال وقوع التدخل العسكري سيعمدون إلى تصوير الأمر وكأنه استهداف مباشر لهم, ما قد يمنحهم فرصة اللعب على الورقة الطائفية والتعبئة ضد هادي وحكومته, وهو ما يحاول الأخير تفاديه. أما المتغير السياسي الذي تحدثنا عنه آنفا فهو تصريحات وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي لقناة "إسكاي نيوز عربية" الذي اتهم إيران مجدداً بتزويد الحوثيين بالأسلحة التي تتسبب اليوم في القتال المستعر في دماج، وقال: إن العلاقات اليمنية الإيرانية في حالة جمود في وقت ثبت تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة وهي الآن أمام لجنة تحقيقات في مجلس الأمن. ومثل هذه التصريحات تكشف بجلاء من يقف وراء الحرب في دماج, وهي تحمل نوع من التعاطف الرسمي مع السلفيين لا تستطيع الحكومة الإفصاح عنه خشية أن تحسب وكأنها تقف إلى جانبهم. كما اتهم مصدر مسؤول الحوثيين بمشاركتهم القتال في سوريا إلى جانب قوات نظام الأسد, ومجمل تلك التصريحات تُضعف موقف الحوثيين سياسياً وتضعهم في دائرة الاتهام والعمل لتنفيذ أجندة خارجية, بينما تحاول امتصاص غضب الشارع اليمني من الموقف المتخاذل للحكومة إزاء الحرب في دماج.

الحوثيون هل يفصلون صعدة؟

حذر مسئول أمني يمني، من إعلان المتمردين الحوثيين "دولة مستقلة" في شمال اليمن "إذا لم تتدخل الحكومة المركزية وتوقف مخططهم التوسعي في محافظة حجة" الحدودية والمطلة على البحر الأحمر غربي البلاد. وذكر المسؤول الأمني، أن الوضع "ينذر بالأسوأ" في حال تمكن "الحوثيون" من السيطرة على بلدة "حرض" التي قال إن بعض مناطقها باتت فعلياً خاضعة لسيطرتهم. وأضاف: "الحوثيون يخططون للاستيلاء على مدينة ميدي"، المجاورة لحرض وتطل على البحر الأحمر، معتبراً أن "الحوثيين" في حال سيطروا على مدينة ميدي "سيعلنون فوراً دولة مستقلة في الشمال". وذكر أن عدد من مديريات محافظة حجة أصبحت خاضعة لسيطرتهم.وكان رئيس المكتب السياسي لجماعة الحوثي، صالح هبرة، حذر قبل أيام، من انفصال شمال اليمن في حال استمر الحصار المفروض على محافظة صعدة من قبل ما يسمى بـ"جبهة النصرة". على أن التلويح بفصل الشمال (صعدة) يبدو أقرب للابتزاز منه للحقيقة, فالحوثيون في حال أعلنوا انفصال صعدة سيقعون في خطأ استراتيجي قاتل كالذي وقع فيه من قبل علي سالم البيض عندما أعلن انفصال الجنوب فخسر المعركة, فاليمنيون لا يبدو أنهم مستعدون لتقبل فكرة من هذا النوع على الرغم من كل الظروف الصعبة التي تحيط بهم. إلاّ أن دخول القاعدة على خط الصراع مع جماعة الحوثي سيمنحها حرية حركة أوسع من ذي قبل, كما سينعكس الأمر على خطابها السياسي ليكون أكثر انتهازية في مواجهة الأطراف الأخرى التي تحاول إقناعها بترك سلاحها والانخراط في العملية السياسية. ويقف فشل الحراك الانفصالي في انتزاع أي جزء من الجنوب وفصله عن المركز كعقبة أخرى تحول دون اندفاع الحوثيين صوب الانفصال.

السلفيون.. هل يسقطون صعدة؟

في خطوة غير متوقعة, استطاع السلفيون الانتقال من مربع الدفاع إلى مربع الهجوم, وتمكنوا في غضون أيام من ضرب حصار مطبق على محافظة صعدة أفقدت الحوثيين توازنهم وجعلتهم يناورون في قبول الصلح وإرخاء قبضتهم على دمّاج والسماح للجان الإغاثة والوساطة بالدخول إلى المحاصرين. لكن مع استمرار حصارهم لدمّاج دون نجاحهم في كسر شوكة السلفيين, يجدون أنفسهم في موقف محرج أمام أنصارهم, ما يضطرهم إلى الاستمرار في الحصار إلى أن تتهيأ الظروف المواتية للخروج بماء الوجه. بيد أن مسارعة الطرف الآخر لفرض حصاره على صعدة قلب الموازين وجعل الطرف المهاجم في موقف الدفاع.

معركة السلفيين الآن لم تعد على أبواب دمّاج، بل على أبواب صعدة, ومع تنادي رجال القبائل من محافظات الجمهورية وفرض طوق على صعدة وتكبيد الحوثيين خسائر فادحة, يتحفز السلفيون للذهاب إلى ما هو أبعد من فك الحصار على دمّاج وهو فك الحصار على صعدة نفسها وتخليصها من حكم الحوثة.

الحكومة تقف متفرجة على اعتبار أن انتصار السلفيين يخدمها في نهاية المطاف, فيما انتصار الحوثيين- المشكوك فيه- في ظل ظروف صعبة يواجهونها سيكون محدود للغاية ولن يغير كثيراً في معادلة القوة, فهم في كل الأحوال سيخرجون منهكين من الحرب لا كما في الحروب الستة الماضية, وسيتقلص نفوذهم بالنظر إلى تعدد الجبهات التي يخوضونها في مواجهة السلفيين وحلفائهم من القبائل. لذا فاشتعال حرب الإرهاب في العاصمة يخفف عنهم بعض الشيء.

من المحتمل, وفي ظل استمرار الحصار الخانق على صعدة, أن يقبل الحوثيون بفك حصارهم على دماج, لكنهم يبحثون عن تسوية مشرّفة, والواقع أن مثل هذه الخطوة صارت ضرورية ومهمة بالنسبة للحوثيين في حال أرادوا البقاء حكاماً في صعدة, فدخولهم دمّاج على طريقة اجتياح الجيوش سيثير أعدائهم وسيجعلهم يصرون أكثر على اجتياح صعدة مهما كلّف الأمر, عندها لن تكون دمّاج الثمن المناسب لسقوط صعدة.

  عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كاريكاتير