drawas

weeb y

عن وعود المجلس الرئاسي

abdulrasheed al faqihطيلة الأشهر الماضية، وتحديدًا منذ إعلان إنشاء مجلس القيادة الرئاسي في 7 إبريل 2022، ورغم كل التحفظات على دستورية ومشروعية تلك الخطوة، ظل الوضع في اليمن وآثار خطوة تشكيل المجلس عليه محل ترقب المتابعين والمهتمين، من زوايا متعددة، خصوصًا وقد صاحب إعلان المجلس منذ لحظاته الأولى دعاية صاخبة، تضمنت وعودًا سخية، وبشارات يقينية بمرحلة جديدة واعدة بالمنجزات والتحولات في مختلف الجوانب.

أختبر في هذه التناولة جانبًا من تلك الزوايا، وتحديدًا أثر تلك الخطوة على حالة حقوق الإنسان وسيادة القانون، في المناطق التي تقع تحت مسؤولية المجلس، ومن خلفه التحالف بقيادة السعودية والإمارات.

على مدى أشهر من المتابعة الميدانية اليومية لحالة حقوق الإنسان وسيادة القانون في مختلف المناطق في ظلّ المجلس الجديد، تراكمت في نهاية المطاف خيبة كبيرة، ليس فقط من الحالة الحقوقية المتدهورة، بل من أنّ ذلك الوضع بقيَ محروسًا حتى من أيّ أثر يدل على شرف المحاولة، فقد بقيت التشكيلات العسكرية والأمنية، متعدّدة التسميات والولاءات والشعارات، تسيطر على مختلف المناطق، وتباشر السلطة الفعلية على مئات الآلاف من المواطنات والمواطنين، وتدير مختلف المرافق والمؤسسات، بمعزل عن النصوص والمبادئ القانونية، فيما لا تزال الجهات المخولة بإنفاذ القانون مجرد خيال مآتة، غير قادرة على تحريك ساكن، أو تسكين متحرك، سواء في عدن، المُعلنة كعاصمة مؤقّتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، أو في بقية المناطق الخاضعة اسميًّا لسلطتها.

وفي نطاق جغرافيّ واسع، يضم تجمعات سكانية في عدد من المدن والقرى والمناطق، المحكومة بتشكيلات مسلحة، متعدّدة الولاءات، وغير ممتثلة، ولو بالحدّ الأدنى، للقوانين النافذة، آمنت بتعاملها غير المحتكم لأيّ أدبيات مرجعية، مع شؤون الناس، مجالًا خصبًا لانتهاكات متعددة تطال عددًا كبيرًا من المواطنات والمواطنين دون رقيب أو حسيب.

وللتدقيق في حالة حقوق الإنسان ووضع سيادة القانون في تلك المناطق، في ظلّ سلطة المجلس الوريث لسلطة هادي- يمكن طرح عددٍ من الأسئلة من قبيل: كم عدد أماكن الاحتجاز خارج سلطة النيابة العامة في كل منطقة؟ كم عدد المحتجزين خارج إطار القانون؟ كم أُغلق من مكان احتجاز غير قانوني؟ كم أُفرج عن مختفٍ قسريًّا أو محتجز خارج إطار القانون؟ ما مدى السلطة الفعلية للنيابة العامة والقضاء على الأجهزة الأمنية المتعددة والمرافق التابعة لها؟ من يمتلك سلطة الاحتجاز ووَفقَ أيّ سند؟ من يمتلك سلطة الإفراج؟ لماذا ترفض مختلف الجهات في مختلف المحافظات توجيهات النائب العام في عدن وأوامر القضاء بالإفراج عن المحتجزين تعسفيًّا والمختفين قسريًّا؟

منذ إعلان إنشاء المجلس، تتدفَّق الأخبار عنه وحوله بشكل شبه يومي، بَيدَ أنّ مضامين تلك الأخبار لا تتجاوز حدود الدعاية وحملات العلاقات العامة، وهو جهد كان سيكون مفهومًا وفي سياقه لو كان اليمن في طريقه لسباق انتخابي، وليس بلدًا يدخل عامه الثامن من حرب مركبة قوّضت مؤسساته وكيانه، يمكن باليسير من الجهود الجادّة إحداث فارقٍ كبير لصالح قطاع كبير من مواطناته ومواطنيه.

المؤكَّد والبديهي أنّ العمل على إنعاش جهات وأجهزة إنفاذ القانون، من أقسام شرطة وأجهزة أمنية ونيابات وسلطة قضائية، كجهات يفترض بها الاستقلالية والحياد والنزاهة، لا يحتاج لمباشرته، لأكثر من يقظة ضمائر مُحرّكي دفة المجلس وتشكيلاته وعقولهم، لينالوا شرف خلق أثر إيجابي لصالح مئات الآلاف من المواطنات والمواطنين، مصحوبًا بآثار إيجابية عابرة لمختلف مناحي الحياة في تلك المناطق، وهي آثار تستحق أن توضع لأجل تحقيقها، كل التبيانات السياسية جانبًا، في مسار لا يحول دون إنجاز تحولات سيلمس أثرها مئاتُ الآلاف من المواطنات والمواطنين.

وللكفّ عن طرح الأعذار لتبرير الإخفاقات المتوالية، فإنّ ما تحتاج لإدراكه واستيعابه قياداتُ مختلف الأطراف المنضوية في إطار المجلس وغيرها من الأطراف، عند تحالفها أو اختلافها، مجتمعة ومنفردة، على حدٍّ سواء- هو العمل في مسارات تقارب متطلبات حياة الناس، وتحقيق النجاحات فيها، في مختلف جوانبها، على كونه واجبًا أصيلًا من واجباتها، فهو ليس فقط سبيلًا لاكتساب المشروعية والاعتراف، بل -قبل ذلك وبعده- سبيلًا وحيدًا لاكتساب الاحترام والاعتبار، من الخصوم قبل الحلفاء والداعمين، بصورة تعجز عن جلبها كل أشكال القوة والقسر والإسناد.

في اجتماعه، يوم الخميس، الموافق 2 فبراير، برئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، في عدن، أكّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، على التزام حكومته باستقلالية القضاء وتعزيز دوره في حماية الحقوق والحريات وتحقيق العدالة وإنفاذ سيادة القانون، وهي مضامين خلّاقة، ينبغي ألّا تظلّ مجرد خطابات روتينية، فالناس يتعطشون لتلمسها كخطوات وإجراءات عملية تمتثّل لها على أرض الواقع أقسام الشرطة وأجهزة الأمن والتشكيلات المسلحة بمختلف مسمياتها، وعناصر النقاط على الطرقات وفي مداخل المدن وفي المنافذ البرية والمطارات وفي أي مؤسسة أو مرفق أو أي تشكيل مستجد له سلطة فعلية على الناس في أي منطقة، وتقع على عاتق رئيس مجلس القيادة الرئاسي وبقية الأعضاء، مسؤوليةُ ترجمة تلك المضامين إلى تدابير وخطوات عمليّة.

ولتتم تلك الخطوات بنجاح، يتعيّن على مجلس القيادة ورئيسه البدء دون إبطاء بتقييم شامل لحالة حقوق الإنسان وحالة سيادة القانون في عدن والضالع، وأبين وشبوة، ومأرب ولحج، وتعز وحضرموت والمهرة وكل المناطق الخاضعة لسيطرته، والمبادرة كذلك لتصميم آليات فعّالة لتلقي الشكاوي والبلاغات، من الجهات والأفراد، حول المختفين قسريًّا والمحتجزين تعسفيًّا، لإنهاء تلك الانتهاكات على الفور.

ولا تتوقف المسؤولية لإنجاز خطوات ملموسة في هذا المسار، عند رئيس المجلس وأعضائه وتشكيلاتهم كأطراف يمنية، بل تتشارك في هذه المسؤولية دولتا السعودية والإمارات بما لديهما من نفوذ على الأطراف المحلية، فبقدر نفوذهما وتأثيرهما على الأطراف المحلية والأوضاع في اليمن منذ إعلان تدخلهما العسكري المباشر، بقدر ما تتحمل من المسؤولية تجاه مسار الأحداث وما صارت إليه الأوضاع في مختلف الجوانب، ولهذا فإنّ الإثبات الفعلي على جدية نواياها التي تكررها منذ أشهر لإيقاف الحرب، يتمثّل في لعب أدوار إيجابية تساهم في تقديم نموذجٍ مختلف من خلال تفعيل مؤسسات إنفاذ القانون ومعالجة التشوهات البنيوية التي تُبقِي مختلف المناطق رهنَ تشكيلات مسلحة منفلتة وغير ممتثلة للقانون.

وما لم تتظافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمعالجة التشوهات التي تراكمت كنتيجة للحرب، والمبادرة لإنهاء المظالم الواسعة، واقتناص كل الفرص لإنجاز ذلك التحول لصالح دولة المواطنة وسيادة القانون والعدالة، فإنّ الوضع سيبقى مرشحًا للانفجار بمجرد زوال التخدير الموضعي المشبع بوهم السيطرة على الأوضاع ومساراتها وحدود مداها، ولن تتوقف آثارها وقتئذٍ عند الحدود المتوهمة، بل ستتعداها لتطال كافة الفاعلين، محليين وإقليميين ودوليين.

# نقلا عن منصة خيوط

كاريكاتير