أنا جمال الدين بنعمر، ولدت في العام 1957 بمدينة الناظور في المملكة المغربية الهاشمية -ولهذا يطلق عليّ بعض أصدقائي لقب (الملكي الهاشمي) رغم أنني معارض للنظام المغربي- وأنحدر من قبيلة أمازيغية، وترعرعت في مدينة تطوان، التي قضيت فيها السنوات الأولى من تعليمي، في ظل حياة اقتصادية صعبة بالنسبة لي، مما أضطرني للجمع بين التعليم والعمل أثناء فترة الدراسة الإعدادية "حيث كنت –وبكل فخر- أعمل أثناء الإجازة الصيفية في أحد الفنادق السياحية الكبيرة.
وفي وقت مبكر من عمري (بداية الشباب) وجدت نفسي أميل إلى الفكر السياسي اليساري؛ حيث أنضميت لمنظمة سريّة إسمها "إلى الأمام" اليسارية التي أسسها المغربي ابراهام السرفاتي، وكانت هذه المنظمة مرتبطة بجبهة البوليساريو المغربية التي تسعى لانفصال الصحراء المغربية عن مملكة المغرب.
وبسبب إنتمائي لهذه الحركة السرية اليسارية تم اعتقالي في 1976م، خلال الأحداث المعروفة بالمغرب بإسم (سنوات الرصاص)، وتم الحكم عليّ بالسجن لمدة (12) عاماً، قضيت منها ما يقرب من (7) سنوات في سجن "القنيطرة"، وتم الإفراج عني في عام 1983م، لكنني لم أتخلى عن نشاطي السياسي، حيث عدت مجدداً لمزاولته، فتم اعتقالي مرة أخرى لبضعة أشهر، ثم قررت بعدها مغادرة بلادي المغرب بطريقة سرية وغير قانونية، متجهاً إلى أسبانيا ومنها إلى فرنسا، وفيها التحقت بالمركز الوطني للبحث العلمي، ثم انتقلت إلى بريطانيا، وهناك عملت مع منظمة العفو الدولية، وكنت مسؤولاً عن الملف السوداني في هذه المنظمة، التي أصبحت أنا الشخصية الثانية فيها، ثم انتقلت إلى واشنطن، وفي أواخر الثمانينات انضممت إلى فريق يهتم بأزمات العالم وهو فريق الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي يعد من أهم موجهي السياسة الأمريكية، وفي عهده تمت اتفاقية كامب ديفيد.
وعملت في معهد السلام العالمي الذي يرأسه (جيمي كارتر)، الذي أبدى إعجابه الشديد بقدراتي، إلى درجة أنه أختارني لأكون مستشاره الخاص، وكان له الفضل في إيصالي إلى أروقة منظمة الأمم المتحدة؛ وكان ذلك في العام 1993م عندما قام (كارتر) بترشيحي للعمل في الأمم المتحدة، ولا زلت أعمل فيها حتى اليوم، رغم أن بلادي المغرب قدمت أكثر من (5) مرات احتجاجات رسمية للأمم المتحدة على وجودي فيها دون موافقة من المملكة المغربية، حسبما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، لكن الأمم المتحدة لم تلتفت لتلك الاحتجاجات بسبب أنني أحمل الجنسية البريطانية.
وكمبعوث للأمم المتحدة أو مسؤول مهم في فريق البعثات، فقد تنقلت بين العديد من الدول الساخنة والملتهبة، ذات الصراعات والحروب المسلحة،. وقد رافقت المبعوث الجزائري الأخضر الإبراهيمي في بعض المهمات الأممية، وأهمها أفغانستان، باعتباري خبير متخصص في حلحلة الصراعات المسلحة.
وفي العام 2003م، كلفني الأمين العام للأمم السابق كوفي إنان، بالذهاب إلى العراق ضمن بعثة الأمم المتحدة، وهناك أشرفت على إعداد وتنصيب أول حكومة برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، كما أعددت الدستور الفيدرالي للعراق، الذي جرى الاستفتاء عليه في 2005، كما قمنا بدعم ورعاية "مؤتمر الحوار الوطني العراقي"، الذي لا يختلف كثيراً عن "مؤتمر الحوار الوطني في اليمن".
ولهذا أزعم بأنني أمتلك خبرة لا بأس بها في إدارة الحوارات الوطنية العربية، وتشكيل الفيدراليات بأنواعها المختلفة، وقبل هذا وذاك، فأنا أجيد التعامل مع كافة الفئات الاجتماعية والأطياف السياسية والأجناس البشرية!!
وبالرغم من تعقيدات الخصوصية اليمنية، إلا أنني استطعت في فترة وجيزة أن أستكنه أغوار وطبيعة الشخصية السياسية اليمنية، وأقرأ طلاسمهما، وأسير في متاهاتها، وأتساير مع تناقضاتها..
فمنذ بداية مشواري الأممي في اليمن تمكنت من جذب مختلف الأطراف إليّ، إلى حدّ أن كل طرف كان يعتقد جازماً بأنه الأقرب علاقةً معي، وبأنني الأداة الدولية التي يمكن أن يحقق هو من خلالها ما عجز عن تحقيقه بالعنف الذي طال مساجد الله وساحات شباب الثورة السلمية.
كما أن لدي مناعة قوية تجاه الإشاعات المغرضة التي طالما تعرضت لها، وخصوصاً في العراق، إلى حدّ قولهم بأنني كنت سبباً رئيسياً في تقسيم العراق، وظهور المليشيات المسلحة، مع أنني ساهمت في دمج بعض تلك المليشيات في عملية الحوار العراقي، وتحيل بعضها إلى صحوات عراقية لمساندة الحكومة العراقية في توفير الأمن والاستقرار، غير أن بعضها انحرفت عن مسارها بعد أن استغلتها أطراف تمارس العنف بشتى أنواعه.
ولهذا فأنا لا أتأثر بالحملات الإعلامية التي تديرها بعض الأطراف السياسية في اليمن، وتستهدف النيل من عروبتي وقوميتي، وتتنكر لكافة الجهود الكبيرة والإيجابية التي بذلتها وما زلت أبذلها في سبيل الوصول باليمن إلى برّ الأمان، الذي نشارف اليوم على الاقتراب منه.
هل يستطيع أي عاقل أو منصف أن ينكر جهودي في إقناع الرئيس السابق بالتوقيع على المبادرة الخليجية، بعد أن استخدمت أساليب متعددة لذلك، تارة بالمجاراة والمداراة، والتقارب والإقناع، وتارة بالتلويح بعصا العقوبات الدولية، وغيرها من الوسائل التي سيأتي الوقت المناسب للإفصاح عنها؟
هل يستطيع أحد ينكر دوري في إقناع عدد كبير من القيادات العسكرية بالموافقة على تغييرها من مناصبها وتسليمها بالأمر الواقع.. وذلك بعد أن عجز الجميع في إقناعها؟
هل يقوى أحد على نكران الدور الذي لعبته في إقناع بعض مكونات الحراك الجنوبي، وأنصار الله، في المشاركة بمؤتمر الحوار الوطني؟
ولعلكم تتذكرون جيداً كيف نجحت في احتواء الخلافات التي نشبت في فريق القضية الجنوبية، وتشكيل لجنة الـ(16)، وتمكنت من إقناع القيادي الجنوبي محمد علي أحمد بالعودة لمؤتمر الحوار في مقاطعته الأولى، وكان بإمكاني إقناعه بالعودة في مقاطعته الأخيرة، لكنه فاجأني بمطالبه الابتزازية الشخصية التي لا علاقة لها بالحوار ولا بالوطن ولا بالقضية الجنوبية، ولهذا لم أتحمس لإقناعه أو حتى للرد عليه، لأن هذا يعدّ تشجيعاً لاقتراف المزيد من الابتزازات مستقبلاً، وهذا لا يمكن أن يخدم الدولة المدنية الحديثة التي ينشدها أبناء الشعب اليمني.
أنا هنا لا أقول بأنني معصوم من الخطأ، أو أنني أتيت بأشياء خارقة للعادة وخارجة عن المألوف، ولا أدعي البطولة، ولكني أمارس نوعاً من الدفاع عن النفس في توضيح الحقائق للشعب اليمني، صاحب الحق الأول في إدارة الحكم والثروة.
وعموماً، إذا كان لدي إيجابيات أو سلبيات، فإنني لا أدعي الحق الحصري في امتلاكها، وإنما أقول وبوضح أن جميع أطراف الحوار ساهمت بشكل كبير في جميع الإيجابيات والسلبيات.
فأنا لم آتي اليمن حاكماً أو متحكماً، بل وسيطاً بين فرقاء التسوية السياسية، وبالتالي، لا ولم ولن أستطيع أن أعمل شيئاً واحداً دون موافقة جميع أو معظم الأطراف اليمنية المشاركة في الحوار.
وأقول لهذه الأطراف: أنتم من يطلب مني التدخل في كل شيء.. أنتم من يفوضني لصياغة الرؤى والمقترحات والحلول.. أنتم من تحرضونني على بعضكم البعض.. أنتم من منحتموني صلاحيات أكبر وأوسع مما كنت أتوقعها.. أنتم لا تثقون مطلقاً بأنفسكم ولا تثقون ببعضكم ولا تثقون بأعضائكم وكوادركم وقواعدكم التنظيمية التي لا تؤمن هي أيضاً بقياداتها الحزبية!!
هل يُعقل أن أتدخل لفرض الفيدرالية أو الانفصال إذا كانت جميع أو معظم الأطراف متمسكة بالدولة الواحدة والموحدة؟ هل أنا أمتلك قوى سحرية لإجبار رئيس الجمهورية أو قادة الأحزاب أو زعماء القبائل والجماعات الدينية بتنفيذ قناعاتي الشخصية ورغباتي الذاتية إذا كانوا لا يريدونها ومتفقين على رفضها؟!
أنا لست سوى ساعٍ للإصلاح بينكم.. وسيط للتقارب بينكم.. مترجم لإراداتكم المشروعة.. منفّذ لرغباتكم المتسقة وقرارات الأمم المتحدة..
لن أكون يمنياً أكثر من إبن اليمن.. ولن أكون شمالياً أكثر من الشماليين أو جنوبياً أشد من الجنوبيين.. لا أمتلك الجرأة الكافية للسير عكس التيار السائد في اليمن.. لن أكون رئيساً بديلاً لعبدربه منصور هادي، ولن أكون زعيماً منافساً للزعيم صالح.. ولن أكون قائداً عسكرياً أو شيخاً قبلياً أو دينياُ.
أنا مبعوث أممي في اليمن لفترة زمنية محددة، وسوف أغادر اليمن دون أن أحمل منها إقليماً واحداً.. ستبقى بلدكم لكم بحلوها ومرّها.
ولهذا أرجو من الجميع عدم المبالغة في الإشادة بي أكثر مما أستحق، أوعدم معاداتي أكثر مما ينبغي!
المقالات الاقدم:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
- بروفيسور مصري يحذر اليمنيين: تعاطي القات مع السيجارة يسبب الإصابة بسرطان الحنجرة والدماغ - 2023/11/25
- واتس آب يتيح ميزة تجنب الإزعاج في المحادثات الجماعية - 2020/10/02
- في جريمة غير مألوفة.. رجل يغتصب ابنة زوجته ذات السبعة أعوام في حيس بالحديدة - 2020/07/21
- تحذيرات رسمية من مواد مسرطنة في بعض الأدوية المباعة باليمن - 2019/09/24
- طفلة تقتل والدتها بطريقة مروعة وغير مقصودة - 2019/09/14
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127117 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26806 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26098 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20467 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17775 مرُة