drawas

454x140 صوت واضح

اليمن يصنع آفاق سوقه التجارية

YemenPicخَبِر اليمنيون منذو القدم العمل التجاري الحُر وفق ما يمكن تشبيهه بنظام السوق المفتوحة؛ ذلك أن اليمن بحكم موقعها الاستراتيجي وطابعها المدني الحضاري في كثير من مراحله التاريخية قد مثلت ممراً حيوياً لطريق التجارة القديمة وحلقة وصل بين أهم الأقاليم التجارية العالمية آنذاك  (إقليم جنوب شرق آسيا- إقليم شمال الجزيرة العربية موصولاً بإمبراطورية الروم في أوروبا- إقليم الحبشة ومصر), وتوارثت أجيال من التجار اليمنيين حرفة التجارة حيث فطنوا ظروف السوق وفنون التسويق وأصول المتاجرة.. فلا غرور- إذن- أن دَّلت عليهم النقوش السبئية والحميرية والمعينية في أرض الشام ومصر ومملكة الأكسوم في الحبشة, كما دوَّنت كتب التاريخ فتوحاتهم الإٍسلامية شرقاً وغرباً حيث لعب التجار الحضارم خاصة دوراً دعوياً كبيراً وكانوا سبباً في دخول الإسلام الهند وأندونيسيا وماليزيا مثلما كانوا مشاعل هدي للملايين في قارة أفريقيا.

لقد كان أسلوب المقايضة في التجارة هو المتبع قديماً حيث يجلب التجار البخور والطيب من الهند والتوابل من الحبشة ويقايضونها في بلاد الشام بالأقمشة والمصنوعات الرومانية التي  يبيعونها في اليمن والهند والحبشة.. وهكذا.

ولم تكن اليمن يومئذٍ مصباً استهلاكياً ومحطة (ترانزيت) تجارية بقدر ما كانت موطناً أصيلاً لكثير من المنتجات الزراعية والحرفية ومسرحاً للقوافل التجارية ومصدراً للثروة والقوة والهيمنة الإقليمية على أقل تقدير.

بعكس ما آل إليه الوضع الراهن من إهمال وتدمير ممنهج للعملية الإنتاجية والمنتج الوطني وانتهاج سياسية إغراق السوق اليمنية بشتى أصناف البضائع الأجنبية؛ حتى لقد أضحت اليمن مكبَّاً إهلاكياً كبيراً لأردأ المنتجات الصناعية والغذائية والدوائية.

فلا نستغرب –إذن- أن نرى كبريات الشركات الوطنية وقد أحجمت عن مزاولة أنشطة التصنيع والإنتاج واستحالت مجرد وكالات وواجهات للشركات الأجنبية! ولا تندهش وأنت تسمع قصص نجاح غينيسية وترى خوارق العادة والتجارة لتجار مستثمرين عمالقة بدؤوا نشاطهم التجاري حديثاً جداً, بحاوية ألعاب صينية أو شوكولاته تركية ومرطبات سعودية –مثلاً-, وإذا بأرصدتهم البنكية تغدو أرقاماً فلكية ومحفظتهم الاستثمارية تنمو بسرعة الضوء, في توصيفٍ أقرب إلى غسيل الأموال والإثراء غير المشروع.

هذا المدخل يدفعنا إلى الاعتقاد بأن انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية حتى  وإن لم تكن مكاسبه سريعة وبارزة فهو لن يفاقم الحالة الاستهلاكية المحلية والوضع المتدهور للاقتصاد اليمني أكثر مما هو عليه اليوم. بل نزعم أن الانفتاح كلية على السوق التجارية الدولية سيسهم في تنويع خيارات ورغبات المستهلك وبكلفة أقل وهامش ربحي معقول, كما سيخلق المزيد من فرص العمل والمزيد من ظهور الوكالات التجارية ورؤوس الأموال النامية, بعد أن بقيت السوق والاقتصاد اليمني لعقودٍ حكراً على نافذين معدودين وأسرٍ تجارية بعينها هي من تملك وتدير وتتحكم بالنشاط الاقتصادي الخاص والعائلي في أغلبه. الأمر الذي سيقود بلا شك إلى تحول كبار رجال الأعمال اليمنيين اتجاه إيجاد وتعظيم بدائل اقتصادية إنتاجية وموفورة العائد على المديين المتوسط والبعيد, من خلال الاستثمار في مجال التعدين والصناعة والمشاريع السياحية والخدمية والعمرانية, وكذا إنشاء شركات تسويق وتصدير المنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية مسنودة ببرنامج دعم حكومي يحقق المقدرة التنافسية والفائدة المرجوة للمزارعين والصيادين والمستثمرين والمستهلكين بشكلٍ متوازنٍ وعادل.

ومقابل الخفض التدريجي للرسوم الجمركية بموازاة استيفاء وتنويع المتحصلات والأوعية الضريبية سيكون بمقدور الحكومة تحرير أسعار المشتقات النفطية بعيداً عن ضغط وتعنت وجشع أعضاء الغرفة التجارية ودونما خوفٍ من حصول ارتفاع مبالغ في أسعار السلع بفضل تنوع ووفرة المعروض وطبيعة السوق التنافسية الحرة.

وفي ظروف سياسية وأمنية طبيعية ومناخات استثمارية أفضل ستكون الفرصة سانحة لاستقطاب رؤوس الأموال المهاجرة والأجنبية بذات القدر من انسياب الحركة التجارية من وإلى اليمن, ومن جانب آخر تشجيع كبريات الماركات العالمية على استحداث فروع لها في اليمن- كما هو الحال في دُبي- حيث فرص الاستثمار واعدة والأيدي العاملة والمادة الخام متوفرة ورخيصة, وحيث الكتلة البشرية هائلة والقوة الشرائية والاستهلاكية كبيرة.

لكن بالمقابل يتوجب على الحكومة اتخاذ جملة من المعالجات الناجعة في جانب إعادة مواءمة القوانين الوطنية مع مبادئ التجارة العالمية, مع ضرورة استعادة وبسط الأمن وتعميم أجواء الاستقرار وتطبيع الحياة العامة عموماً, بالإضافة إلى تحديث المنظومة الملاحية والتجارية والجمركية والضريبية وتحسين آليات وأدوات تنظيمها والرقابة عليها.

ولا بد أن يقترن الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر للمستثمرين اليمنيين بتوجه رسمي وشعبي لتعزيز ثقة وإقبال المستهلك على شراء المنتج المحلي كقيمة اقتصادية ومظهرٍ من مظاهر الولاء الوطني والانتماء القومي.

إجمالاً يمكن القول بأن انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية لا يصنع لذاته كحدثٍ مستجدٍ فارقاً كبيراً في حياة اليمنيين وحالة السوق المحلية- على الأقل في الظرف والمدى المنظور- وفوائد أو أضرار الانضمام متوقفة ومرهونة على طبيعة ومستوى التعاطي الحكومي مع الوضع الجديد سلباً أو إيجاباً, بالإضافة إلى تطورات الأوضاع على الساحة اليمنية ومحيطها الإقليمي والدولي عموماً.

كاريكاتير