drawas

454x140 صوت واضح

الاستهداف (الثالث) للدفاع، محاولة اغتيال أم انقلاب؟!

aadelaminصنعاء مسرحاً مفتوحاً لتصفية الحسابات السياسية...

الاستهداف (الثالث) للدفاع، محاولة اغتيال أم انقلاب؟!

عـادل أمـين     

حادث إرهابي مروع هو الثالث من نوعه استهدف وزارة الدفاع اليمنية صباح الخميس (5 ديسمبر)، سقط على إثره عشرات الضحايا الأبرياء، ولا يُعلم حتى الآن من يقف ورائه، وإن كانت أصابع الاتهام ستومئ حتما لتنظيم القاعدة، بناء على أن التفجير الانتحاري الذي نُفذ بسيارة مفخخة على بوابة الوزارة يقوم به في الأغلب عناصر التنظيم. لكن وبصرف النظر عن ذلك، وحتى تتضح الصورة أكثر، ينبغي الوقوف أولا لمعرفة الظروف والملابسات التي سبقت الحادث، ومن خلالها ربما نتمكن من الاقتراب قليلا لفهم الدوافع التي تقف وراء مثل هذا العمل الإجرامي المنظم.

تمرد وتحالف وحرب استنزاف

من خلال تتبعنا لبعض الوقائع التي حدثت في العام 2012 وضمها إلى الكم الهائل من المعلومات والأخبار التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام في الداخل والخارج هذا العام 2013، نكتشف بسهولة طبيعة تلك المصالح التي تقف وراء نسج تحالفات بين قوى مناوئة للثورة داخلية وخارجية، وحجم حرب الاستنزاف التي تشنها تلك القوى في مناطق مختلفة من البلاد وبالأخص في العاصمة صنعاء، التي غدت مسرحا مفتوحا لتصفية الحسابات السياسية مع قوى الثورة والرئيس هادي، من ذلك على سبيل المثال:

1 . محاولة عدد من الجنود والضباط اقتحام مبنى وزارة الدفاع في يوليو 2012، وذلك احتجاجاً -كما قيل وقتها- على قرارات رئاسية أصدرها الرئيس هادي بفصل (7) ألوية من الحرس الجمهوري (سابقا) عن قيادة الحرس وإلحاقها بالمناطق العسكرية وتشكيل حرس رئاسي جديد.وأكد ضابط في مقر وزارة الدفاع بصنعاء حينها أن الجنود الذين هاجموا المقر لم يكونوا فقط من أفراد اللواء الثاني مشاه جبلي، بل ومن ألوية متعددة تابعة للحرس الجمهوري (سابقا)، والتي كانت متمركزة في ضواحي صنعاء. إلاّ أن محاولتهم السيطرة على مقر وزارة الدفاع باءت بالفشل. وكان ذلك بمثابة إعلان التمرد الأول من قبل قوات الحرس سابقا.

2 . في أغسطس من العام 2012، قاد المئات من أفراد اللواء الثاني مشاه جبلي المنتمين إلى الحرس الجمهوري (سابقا) هجوما على مقر وزارة الدفاع مستخدمين أسلحة مختلفة، في حركة تمرد ثانية هدفت إلى الاستيلاء على مقر وزارة الدفاع، إلا أن حراس المقر تمكنوا من احتواء التمرد واعتقال 40 من المتمردين المحتجين على عدم صرف رواتبهم، حسب زعمهم. وأكد الناطق باسم اللجنة العسكرية علي سعيد عبيد وقوع الاشتباكات وسقوط ضحايا دون أن يحدد عددهم، لكن مصادر عسكرية قالت إن خمسة سقطوا وجرح أكثر من عشرة آخرين بالمواجهات.

3 . في أغسطس 2013، سقط ثلاثة قتلى و18جريح نتيجة المواجهات المسلحة جراء المسيرة الحربية "المسلحة" التي استهدفت القصر الرئاسي ومنزل الرئيس هادي ووزارة المالية والتي انطلقت من معسكر السواد "48" الذي كان يستخدمه نجل الرئيس المخلوع مقراً رئيسيا لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب.

4 . تحدثت تقارير عربية أن السعوديين لم يرق لهم السياسات التي ينتهجها الرئيس هادي، ليس فقط ما يتعلق بالإسلاميين الذين لم يتخذ أي خطوة ضدهم، وانما أيضاً بسبب زيارته الى دولة قطر يوم 23 يوليو 2013، وموقفه من الاطاحة بالرئيس المنتخب في مصر محمد مرسي والذي جاء مخالفاً أيضاً للرغبة السعودية، وبسبب ذلك قررت السعودية، بحسب تلك التقارير، التخلص من هادي عبر انقلاب عسكري شبيه بذلك الذي دبرته في مصر، حيث دعمت المملكة -بحسب مصدر يمني-جنرالات من الجيش موالون للرئيس المخلوع من أجل الانقلاب على هادي، الا أن الأخير اكتشف محاولة الانقلاب قبل تنفيذها ففشلت، مضيفةأن هادي طلب من أوباما بعدها ضمانات بأن لا يعاود السعوديون محاولة الاطاحة به.

5 . في يونيو 2013، كشفت صحيفة يمنية عن وجود فريق لإدارة الأزمات يرأسه عمار صالح يعمل بشكل مستمر منذ عامين ونصف في الإشراف على عمليات تخريب ممنهجه ضد مرافق حيوية بغرض إظهار الرئيس هادي والحكومة عاجزين عن حل المشاكل ولإبقاء على حالة الفراغ الأمني.وذكرت صحيفة المصدر اليومية أن الخلية التي تستخدم معسكر ريمة حميد بسنحان مقراً لها تضم إلى جانب عمار كلاً من خالد علي عبد الله صالح وهيثم محمد صالح الأحمر وعدد من القادة العسكريين ممن فقدوا مناصبهم من عائلة صالح.وقالت الصحيفة أن الخلية تمتلك أجهزة رادار متطورة نهبت من معسكرات عدة ونقلت سراً إلى معسكر ريمة حميد، كما تمتلك أجهزة تنصت متطورة إضافة إلى سيارات مدرعة، كما تمتلك الخلية وفقاً للصحيفة نسخة من سجلات الأحوال المدنية وسجلات عسكرية ومدنية ووظيفية فيما يخص جميع المرافق الحكومية والتي تعتبر سجلات سرية يحظر تداولها خارج إطار السلطات المختصة.

6 . الأسبوع الفائت تداولت تقارير صحفية عن مصادر استخباراتية تأكيدات أن النظام السابق عقد اجتماعا استثنائيا مع عدد من أنصاره، حدد فيه 80 يوما لبدء العد التنازلي لإسقاط العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات من خلال إثارة الفوضى ونشر العنف والاضطرابات. وأوضحت المصادر أن الإعداد والتخطيط لذلك يتم في معسكر «ريمة حُميد»، جنوب العاصمة صنعاء، حيث تتولى ثلاثة مكونات ضمن خلايا الأزمة دراسة وتخطيط ووضع السيناريوهات اللازمة لتنفيذ تلك المخططات الهادفة إلى إثارة الفوضى وإرباك المشهد السياسي وإغراق البلد في انفلات أمني واضطرابات.

7 . الأسبوع المنصرم نشر موقع أسرار عربية عن مصادر وثيقة الاطلاع في العاصمة صنعاء أن أحمد علي يقود خلية عسكرية نفذت العديد من أعمال العنف في البلاد، كما يقوم بدفع مبالغ مالية كبيرة لمتنفذين في الجيش من أجل شراء ذممهم وولاءاتهم.وأن الأموال التي يقوم أحمد علي باغداقها سواء على الخلية المسلحة، أو على الضباط المنوي شراء ذممهم، كان قد تحصل عليها من دولة الامارات وذلك عبر صديقه الفلسطيني محمد دحلان الذي يعمل حالياً مستشاراً لدى ولي عهد إمارة أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وأنفرد الموقع بنشر معلومات عن تعرض الرئيس عبد ربه منصور هادي لمحاولة اغتيال، مشيراً الى أن محاولة الاغتيال تمت بالفعل قبل نحو عام من الان، حيث تم ضبط خلية مسلحة كانت تستأجر منزلاً بالقرب من منزل الرئيس بهدف اغتياله، مضيفا، بأن أجهزة الأمن تأكدت من أن ابن الرئيس المخلوع هو الذي يقود تلك الخلية، وهو الذي كان يدبر لعملية الاغتيال، الا أن أجهزة الأمن تكتمت على هذه التفاصيل منذ ذلك الوقت تحسباً لفوضى قد تشهدها البلاد أو عمليات انتقام قد يقوم بها الرئيس المخلوع وأبناؤه، خاصة وأن الامارات هي التي تمول وتدعم.

8 . علم موقع “أسرار عربية” من مصادر مطلعة في اليمن أن خلية مسلحة تابعة للحوثيين يقودها صالح هبرة بشكل مباشر تقوم بعمليات تخزين واسعة للأسلحة في مستودعات تحت الأرض وفي أنفاق، في تحرك يتوقع أن يكون تمهيداً لعمليات واسعة قد يتم تنفيذها قريباً في اليمن. واستطرد الموقع، بأن الأمر الأكثر أهمية هو أن القيادي الحوثي صالح هبرة كان قد زار السعودية سراً قبل أسابيع، بعد أن غادر صنعاء الى لندن، ومنها استقل طائرة الى الرياض، حيث التقى فيها رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان الذي سلمه مبلغاً مالياً ضخماً لم تُعرف تفاصيله حتى الان. مضيفا القول إن عبد الملك الحوثي التقى مع الرئيس المخلوع عدة مرات من أجل الترتيب والتعاون لإفشال الحوار الوطني في البلاد، وهو ما يُفسر سر الدعم السعودي للحوثيين، حيث أنهم تحالفوا مؤخرا مع صالح، ويعملون على إشعال حرب في اليمن تؤدي الى إفشال كافة مكتسبات الثورة.

9 . قبل بضعة أيام حذرت صحيفة اليمن اليوم (التابعة لصالح) من مخطط قالت إنه يجري إعداده للانقلاب على الرئيس هادي في غضون عامين فقط، لكنها -كعادتها- نسبت المخطط لبعض قوى الثورة التي قالت بأنها تحاول السيطرة على مقاليد الحكم واقصاء هادي! ويبدو أن الصحيفة تحاول صرف الأنظار عن المخططين الفعليين الذين باتوا يمتلكون الجرأة لمهاجمة وزارة الدفاع في قلب العاصمة.

انقلاب أم محاولة اغتيال؟

المؤشرات السابقة تكشف بجلاء عن طبيعة الصراع الدائر اليوم على السلطة وحجم التدخل الخارجي في هذا البلد، لكن يبقى موضوع الانقلاب نفسه وقدرة القوى المناوئة للثورة على إنفاذه موضع شك، فمن جهة، ما عاد بوسع تلك القوى تحريك الجيش -أو حتى جزء منه- إلى الحد الذي يمكنها من القيام بانقلاب عسكري، فهذا أمر فات آوانه وفق كل المقاييس العسكرية والسياسية. ومن جهة ثانية، فالقوى الدولية الممسكة بالملف اليمني المتحكمة بمساره وقراره لن تسمح بحدوث مثل هذا الأمر، وحين تجد أن الصراع السياسي في اليمن أخذ منحى عسكري انقلابي فستعمل على إيقافه بأدواتها الخاصة، فالصراع السياسي مسموح به في كل الأحوال، بما في ذلك المكاسب السياسية الناجمة عنه والتي يجنيها كل طرف، أما الانقلاب فهو خط أحمر تحظره القوى الدولية وتمنع تجاوزه من قبل أي طرف كان، وهو ما يفهمه الجميع. بيد أن المثير في العملية الإرهابية الأخيرة هو استهداف مستشفى وزارة الدفاع وتصفية من فيه بتلك الوحشية التي خلفت ورائها أكثر من خمسين قتيلا ومائة وستين جريحا!! وعلى الرغم من تضارب المعلومات حول ما جرى وعدم وضوح الرؤية حتى الآن، إلاّ أن الأنباء التي سيقت بشأن الحادثة، والتي تحدث بعضها عن وجود شقيق للرئيس هادي كان يتلقى العلاج داخل مستشفى مجمع الدفاع توحي بأن أمر ما مهم جدا كان يبحث عنه المهاجمون والذي لأجله اتجهوا بشكل محدد صوب المستشفى! وعطفا عليه، ربما تكون وصلت معلومات سرية للجهة المنفذة عن زيارة مرتقبة كان ينوي الرئيس هادي القيام بها لتفقد حالة أخيه الصحية، وبالتالي ربما فكروا بأن الأمر سيكون سهل باصطياده في ذلك المكان، وإلاّ ما جدوى استهدافهم المشفى وقتل من فيه من الأطباء والممرضين والعاملين على ذلك النحو الفظيع؟ لماذا لم يستهدفوا-مثلا-غرفة العمليات والسيطرة بوزارة الدفاع، كما حدث بالنسبة للمنطقة العسكرية الثانية في أبين حين هاجمها ما يسمى بعناصر القاعدة وذبحوا من فيها من الضباط والجنود؟

في كل الأحوال، تكشف تلك العملية الإرهابية عن اختلالات أمنية كبيرة داخل العاصمة صنعاء وانكشافها أمنيا، بل واختراقها من قبل قوى الثورة المضادة بكل تحالفاتها، كما تكشف أيضا عن عدم فاعلية إجراءات الهيكلة التي تمت في جانب الجيش والأمن. أما حكومة الوفاق فقد استهانت كثيرا بقدرات القوى المناوئة لها وأخفقت في وضع حد لعمليات التخريب والعنف والإرهاب الذي تمارسه بحق الوطن، لذا فمن المحتمل أن يطالها في قابل الأيام بعضا مما يجري نتيجة الاسترخاء الذي تعيشه. على أن مثل هذه العملية الإجرامية تحرج الرئيس هادي وأجهزته الأمنية وتظهره أمام الشعب أضعف من أن يدير دولة أدارها صالح بمفرده لأكثر من ثلاثة عقود. وهي أيضا تولد رأي عام ساخط على أداء حكومي هزيل لا يتمكن من حماية قلاع الأمن الكبرى فضلا عن حماية المواطن نفسه، الأمر الذي سينعكس على رأي المواطن واختياره في الانتخابات القادمة وهو الهدف البعيد لمن يقف وراء تلك العمليات الإرهابية. 

كاريكاتير