drawas

454x140

الطريق لإسقاط العاصمة هل ما زال معبّدا!

aadelaminباستكمال التوقيع على وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية من قبل المؤتمر وحلفائه وحزب الرشاد وباقي المكونات الأخرى في مؤتمر الحوار الوطني، يكون الرئيس هادي قد انتهى بالفعل من وضع اللمسات الأخيرة لإعلان انتهاء فعاليات مؤتمر الحوار الوطني، وبتلك الخطوة التي أخذت منه الكثير من الجهد التفاوضي يكون قد أحرز نصراً سياسياً سيعزز من مكانته وموقعه ودوره كرئيس جمهورية قادم لمرحلة انتقالية (تأسيسية) جديدة. فعلى جبهة الحوار برهن الرئيس هادي عن مقدرة سياسية في التقدم للأمام وأحراز نقاط في صراعه مع مناوئيه.

صحيح أنه استعان -إلى حد كبير- بالضغوط الخارجية لترويضهم، وأن هزيمتهم بالضربة القاضية ما تزال بعيدة المنال، لكنه يتقدم على أية حال، وهو أمر إيجابي بالنظر إلى حجم التحديات المحيطة به.

السباق نحو خط النهاية بين الرئيسين السابق والحالي عبر مضمار الحوار هو على أشدّه، بيد أن الخلاف في تلك المنافسة المحتدمة يكمن في أن الأول لا يريد لمضمار السباق أن ينتهي، بل يريده أن يظل يدور في حلقة مفرغة ليستمر اللعب وقت أطول، بينما الآخر يستعجل الوصول ليتفرغ لما هو أصعب منه، والرئيس السابق هو جزء أساس من تلك الصعوبة التي ينتظرها، لكنها بالتأكيد أقل صعوبة من الفترة الانتقالية السابقة التي ستنتهي في الـ 21 من فبراير القادم.

توقيع وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية هو بالتأكيد متغير سياسي مهم سيصب لصالح الرئيس هادي وسيجعل منه -كما هو متوقع- رجل المرحلة ورجل الضرورة لإنفاذ تلك الوثيقة التي يعدّ عرّابها الأول، فنجاحه في قيادة الحوار وإخراج تلك الوثيقة التوافقية سيعزز من ثقة الرعاة الدوليين ومساندتهم له، كما أن كل خطوة يخطوها الرئيس باتجاه حلحلة مشكلات البلد، سواء على الجبهة الشمالية أو الجنوبية، تدفع في المقابل حكومة التوافق خطوة إلى الوراء وتركز السلطة أكثر بيد الرئيس، لجهة تزايد منسوب الثقة به وبدوره المستقبلي والتسليم بكونه الأقدر على التعاطي مع المشكلات المستعصية.

أضف إلى ذلك، فإن ضعف القوى السياسية على الساحة وهشاشة تحالفاتها واختلاف مصالحها وتعدد رؤاها التي أفصح عنها مؤتمر الحوار، يجعل من الرئيس هادي ملاذ اليمنيين وربّان سفينتهم الذي لا غنى لهم عنه، أو هكذا سيجادل البعض على الأقل.

على الجانب الآخر، فإن الذين يقودون حملة الرفض للتمديد لهادي، وهي الحملة التي يتزعمها صالح وجناحه في حزب المؤتمر وبعض القوى الموالية له، هؤلاء ستضعف حجتهم وسيخسرون الرهان بعدما صاروا جزءاً من الاتفاق الأخير بوضع إمضائهم عليه, وبالتالي فإن استمرارهم على نفس نهج الممانعة والرفض لهادي لن يكون ذا قيمة ولن يجدِ نفعاً إزاء حجم التأييد المتعاظم الذي يحظى به الرئيس في الداخل والخارج، لكن من المؤكد أن هؤلاء الذين ينظرون إلى هادي على أنه جدار الصدّ الذي تتحطم عليه آمالهم, سيعمدون ولا ريب إلى تغيير خططهم في مواجهته, وهذا لن يقتصر فقط على إثارة الصراعات وبؤر التوتر في صعدهة والجوف وعمران وحجة والضالع ولحج وحضرموت وعدن وغيرها من المحافظات, بل سينتقلون للضغط على هادي ومحاصرته وزعزعة حكمه داخل العاصمة وفي محيطها كما هو حاصل اليوم في مديرية أرحب, وكما حصل من قبل في ديسمبر الماضي في مجمع الدفاع.

بعبارة أخرى, فإن معركة المناوئين للرئيس هادي لن تظل ساخنة في الأطراف وحسب, بل ستنتقل سخونتها إلى المركز حيث يوجد الرئيس. وهو ما صرّح به علانية الجناح السياسي للحوثيين على لسان الأمين العام لحزب الحق (الرئيس الدوري لأحزاب المشترك!) حسن زيد، حين هدد بنقل حرب الحوثيين إلى العاصمة وتلقين هادي درساً سيبكيه ويُبكي من حوله! هذا التحدي السافر الذي ظهر به الحوثيون في مخاطبة الرئيس يعكس بالضرورة مدى ثقتهم بالتحالف غير المعلن بينهم وبين صالح بتحالفاته المتعددة التي تخطت محيطه المحلي لتصل إلى دائرة الإقليم, الذي من المحتمل أنه استطاع شراء سكوت القوى الدولية ليقوم بتصفية حساباته وإعادة ترتيب أوراقه وتحالفاته في الداخل اليمني, بما يحفظ مصالحه وفق استراتيجته الجديدة المتشكلة حديثاً على ضوء ما أفرزته نتائج ثورات الربيع العربي.

على أن خطة نقل المعركة مع هادي إلى العاصمة صنعاء والعمل على إسقاطها وإسقاط نظامه وفق السيناريو المصري جاءت كذلك على لسان قيادي من أحزاب ما يسمى بالتحالف الوطني المتحالفة مع المؤتمر، والذي كشف عن مخطط يجري الإعداد له في كواليس التحالف الحوثي العفاشي وتحت أغطية مختلفة ربما تبدأ بمسيرات واحتجاجات مناوئة في العاصمة ومراكز بعض المحافظات لتشتيت الجهود الحكومية وإرباكها وإنهاكها, في الوقت الذي يتم تطويق العاصمة من الخارج وتوزيع الأسلحة على المليشيات والموالين في الداخل وانتظار ساعة الصفر التي يتعين أن تكون قد حظيت أولاً بإسناد شعبي متزايد كما في الحالة المصرية (حركة 30يونيو).

لكن ومهما يكن الأمر، وسواء صحت تلك التسريبات أو لم تصح, يبقى الاحتمال قائماً بإمكانية تكرار المحاولة الإنقلابية التي جرت في العرضي وإن بصورة مختلفة, إلاّ أن المتغير السياسي المتمثل في إنهاء فصول مؤتمر الحوار الوطني والخروج برؤى وطنية جديدة إزاء مختلف قضايا الحوار بما في ذلك استكمال هيكلة القوات المسلحة والأمن بما يقود إلى تقليص نفوذ القوى المضادة للثورة وتعزيز سلطات الرئيس وإحكام قبضته على الجيش, كل ذلك سيحدّ ولا شك من تأثير المخططات التآمرية وسيحبطها. وتذهب الدلائل إلى أن الجيش سيلعب دوراً حاسماً في الأيام المقبلة في تهيئة الأجواء للرئيس هادي وتمكينه من بسط سلطاته على نحو أفضل مما كان عليه، وهذا ما تؤكده تصريحات وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان في أكثر من مناسبة, ما يوحي بأن الجيش سيمثل الركيزة الأهم في قابل الأيام فيما يتعلق بتنفيذ مخرجات الحوار وإرساء دعائم الاستقرار والأخذ على أيدي التخريب والتمرد.

ومهما يكن, وفي الوقت الذي سيعمل الرئيس على تعزيز موقعه, فإن ثمة طرف آخر سريع الصعود سيعمل هو الآخر على تعزيز موقعه واغتنام الفرصة المواتية التي جعلته يعيش أزهى عصوره برعاية واسعة من مختلف الأطراف المعنية في الداخل والخارج والتي تقاطعت مصالحها مع مصالحه، هذا الطرف هو الحوثي وجماعته, والذي سيظل اللاعب الأقوى في مواجهة هادي خلال المرحلة القادمة بالنظر إلى ما يمتلكه من دعم إقليمي وامتداد داخلي, سياسي ومذهبي, وقدرة على التحشيد والتعبئة, إلى جانب السلاح والمعدات الثقيلة التي جعلت منه دولة داخل الدولة. هؤلاء هم المرشحون للقيام بمحاولة إنقلابية جديدة لإسقاط العاصمة, فهم الأكثر تضرراً من مخرجات مؤتمر الحوار كونهم سيفقدون سلاحهم الثقيل.. وهذا ما يحاولون تجنبه قدر المستطاع, ولن يتأتى لهم ذلك إذا سارت الأوضاع نحو التهدئة وإغلاق بؤر التوتر والتوجه صوب بناء الدولة وإعادة سلطانها على كافة أراضيها واستعادة الجيش الوطني, لذا سيظلون شوكة في حنجرة الرئيس وفي خاصرة اليمن إلى أن تستعيد الدولة عافيتها, وفي أثناء ذلك سيعمدون إلى الإبقاء على الوضع مشتعلاً في كافة المناطق التي يسيطرون عليها, بما فيها تلك التي هم قريبون منها أو التي يوجد لهم حلفاء فيها كما في بعض المحافظات الجنوبية.

ومع ذلك فإن فرصتهم في تغيير الأوضاع لصالحهم تتضاءل, وقدرتهم على تحدي الدولة والتمرد عليها ستنحسر بمجرد أن يستعيد الرئيس زمام الجيش ويعود إلى القصر الرئاسي وبيده تفويض سياسي من مؤتمر الحوار الوطني لإخماد الحرائق المشتعلة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.. هذا هو المتوقع حدوثه في المرحلة القادمة, وهو أيضاً ما تخشى منه قوى الشر المتحالفة على إسقاط الوطن وتمزيقه وتقاسمه.

كاريكاتير